بقلم - فاطمة ناعوت
مع إشراقة نهار «عيد الأضحى» المبارك بعد غد، يكون قد مرَّ عامٌ كامل على واحدة من أعظم الهدايا التي منحها اللهُ لى، على كثرتها ووفرتها، تلك التي لا تُعدُّ ولا تُحصى. أحتفلُ بمرور عامٍ على كسر ابنى المتوحّد «عمر» لشرنقة العُزلة الاجتماعية، وطيرانه مثل فراشة ملوّنة رشيقة فوق أعناق زهور الحياة، يرتشفُ من شذاها معارفَ وأغانىَ وكلماتٍ وخبراتٍ جديدة. ومع كل جديد يتعلّمُه، يلهجُ لسانى بشكر الله، ويخفقُ قلبى فرحًا ورجاءً في وجه الله الأكرم الذي لا تنفدُ هداياه، ولا تجفُّ أنهارُ عطائه. على طول هذا العام كنتُ أركضُ مع «عمر» أسابقُ الزمنَ حتى نُعوَِّضَ ما فاتنا، وهو كثيرٌ. وكان مَن حولى ينصحوننى بالتمهُّل حتى لا تتقطّع أنفاسى. فأردُّ عليهم بالمزيد من الركض؛ لأن الطمعَ في كرم الله فرعٌ من الإيمان به. كلما سمعتهم يقولون: «رويدًا- حنانيك- كفاية كده! كنّا فين وبقينا فين؟!»، وغيرها من عبارات تهدئة السرعة، كنت أتذكّر الأديبَ الروسى «دوستويفسكى» حين قال: «المشكلةُ أنك ركضتَ مسرعًا بمجرد أن سمعتَ النداء، بينما كل ما كان عليك فعله هو أن تلتفتَ فقط!». أختلفُ معه. فبمجرد سماعى «نداء عمر» يطلبُ الحياةَ، كان علىّ الركضُ بأقصى سرعة، وليس مجرد الالتفات. هذا واجبى، أولا: «كأمٍّ»، وأولا كذلك «كإنسان» منحه اللهُ نعمةَ مساعدة «إنسان» على الحياة.
أشكرُ اللهَ على نعمه التي لا تُعدُّ ولا تُحصى. أشكره على نعمة وجود «عمر» في الحياة ليمنحنى منتهى الفرح والتعلّم. ثم أشكره على أن سمح أخيرًا بخروجه من شرنقة العزلة. أشكرك ربى كما ينبغى لجلال وجهك، ووافر عطائك. وأشكر كلّ من ساعدنى في رحلتى مع «عمر» لنكسر الشرنقة ونتحرّر. أشكر «الكيميائى الحيوى د. رامز سعد» الذي اكتشف ما في جسد ابنى من «معادن ثقيلة»، شأن المتوحدين، ثم وضع لى بروتوكولا غذائيا متجددًا ومحكمًا لتحسين بصمته المعدنية، مما أفاد في بناء التواصل المجتمعى. وأشكر جميع الأطباء الكبار الذين سخّروا علمَهم لمساعدة «عمر»: أستاذ الجهاز الهضمى: د. «هشام الخياط»، أستاذ طبّ الأسنان د. «أيمن فايز فرح»، أستاذ طبّ العيون: د. «فتحى فوزى». أشكر أ. د. «أحمد عكاشة» أستاذ الطب النفسى على توجيهه الدائم لى، وكتابته مقدمة كتابى عن التوّحد: «عمر من الشرنقة إلى الطيران». وأشكر الأديبة الصديقة: «نوال مصطفى» التي شجعتنى على كتابة تجربة «عمر» ليكون إلهامًا لأمهات غيرى. أشكر المهندس: «صلاح دياب» على دعمه لابنى «عمر» ومتابعته الدائمة لتطور حالته. أشكر جميع المدارس التي استضافت «عمر» لتكريمه، وكان آخرها مدرسة «رمسيس الدولية بالشروق». أشكر الإعلاميين: «خيرى رمضان»،»كريمة عوض«لاستضافة»عمر«في برنامجهما وتسليط الضوء على موهبته الفائقة في الرسم. أشكر السفيرة الجميلة: د. «نبيلة مكرم» على دعمها لموهبة «عمر» في الرسم. أشكر أ. «مروة الطوبجى» لاختيارى «سوبر ماما» على صفحات مجلة «نصف الدنيا» لتشجيعى على المضىّ. أشكر صديقتى د. «هالة كامل» التي عاشت معى رحلة تحرر «عمر» من الشرنقة بكل صعوباتها وعسرها وشقائها، وتساعدنى على الحصول على الخبز الخالى من الجلوتين الذي يتناوله «عمر» لأن جسده لا يُفرز الأنزيم الهاضم للطحين العادى. أشكر «دادا عفاف» مربية «عمر» التي تشاركنى رحلة «عمر» نحو الحياة. أشكر جميع مدربى عمر الرياضيين الذين يبذلون الجهد معه في السباحة والفروسية وكرة السلة. أشكر كابتن: «شوبير» لسؤاله الدائم عن حال «عمر»، وعلى «تيشيرت الأهلى» الذي أهداه له وفرح به «عمر» كثيرًا. أشكر الروائية الكويتية الشهيرة د. «فاطمة العلى» على علبة الألوان الفخمة التي أهدتها لـ«عمر» ويرسم بها لوحاته، بعدما رفض كل الألوان التي جلبناها له. أشكر صديقتى الجميلة: «مريم رياض» التي تُرسل لى من أمريكا ما يحتاج إليه «عمر» من أدوية، وأدعو اللهَ أن يقف معها في رحلتها مع ابنها الوسيم: «دانيال»، فهى كذلك «أمٌّ بدرجة مقاتل». أشكر جميع من يدعون لـ«عمر» كل يوم في الطريق وعلى صفحات التواصل سًّرا وجهرًا. وليت مقالى من مليون كلمة حتى أشكر جميع من ساندونى في رحلتى الشائقة الممتعة.
اللهم في هذه الأيام الطيبة املأ قلوبَنا بالرحمة وعقولنا بالنور. اللهم اشفِ كلَّ مريض، وانصر كلَّ مظلوم، وكُفّ كلَّ ظالم، وارحم موتى العالمين. اللهم احمِ أولادنا من كل سوء، واكتب لبلادنا الأمن والسلام والرغد، واحفظ وطننا العظيم، وظلّلِ البشريةَ بمظلة التراحم، واملأ صدور البشر بالمحبة والتآخى والتحضر. اللهم املأ قلوبنا بحبك واسبل علينا مرضاتك واعفُ عنا ولا تردّ سؤالنا، ولك الشكر والحمد عددَ خفقات قلوبنا، وكما يليق بجلال وجهك العظيم. وكل عيد أضحى وأنتم طيبون