بقلم - فاطمة ناعوت
نختلسُ خيطَ الفرح من ركام الوجع، ونطاردُ نجمةً لامعة في عتمة السماء. هكذا قانونُ الحياة لكى نستطيعَ المواصلة. العالمُ حزين لاشتعال حروب في زمن المفترض فيه أنه نضج بما يكفى ليُخاصمَ الحروبَ. لكن الحروبَ تشتعلُ والبشرَ يَقتلون ويُقتلون!!، ومصرُ، التي لم تتأخر يومًا عن غوث المأزومين، فرحةٌ لاستكمال بناء الوطن مع صانع نهضتها الحديثة وحامى أمنها الرئيس «عبدالفتاح السيسى». جميعُ البشر في حاجة إلى «الفرح» لأنه أداةُ المقاومة والاستمرار والبناء. مستحيلٌ أن تبنى وطنًا إلا وأنت في حالة «فرح» بالوطن. ونحن فرِحون بوطنٍ نراقبُه كلَّ يومٍ وهو يزدادُ جمالًا وعُلوًّا وقوةً وصلابة. فرِحون بوطن مَنَّ اللهُ عليه بقائد واعٍ عرف كيف يُحبُّ أبناءَه جميعَهم دون تمييز، فأحبَّه أبناءُ الوطن، وانخرطوا معه في رحلة البناء بحبٍّ وفرح.
الرئيس «عبدالفتاح السيسى» قائدٌ ذكىٌّ يعرفُ «كود الأوطان» الصحيح. كود: «لمّ الشمل والتضامّ». القائدُ الناجح لا يفرِّقُ بين أبناء وطنه بسبب تباين المعتقدات. ندركُ هذا جيدًا لأننا ذُقنا مرارَ التفرقة والتمييز قبل سنواتٍ، حين استهلَّ إخوانىٌّ حُكمَه للوطن بقوله: «أهلى وعشيرتى»؛ فراح كلُّ مصرىّ ينظرُ إلى نفسه ليرى إن كان من أهل الحظوة والعشيرة، أم من المغضوب عليهم!، وسرعان ما أسقطَه شعبٌ ذكىٌّ متحدٌ وجيشٌ باسل وفارسٌ جسور، ليكافئنا اللهُ به رئيسًا وطنيًّا خاطبَ المصريين كافّة وأحبَّ المصريين كافة وعدَلَ بين المصريين كافة. كانتِ المقارنةُ سافرةً بين إخوانىٍّ رسمَ خريطة التمييز والفُرقة وتقسيم الشعب، ورئيس نبيل رسم خريطة «الجمهورية الجديدة» لشعب واحد متماسك قوىّ لا يعرفُ الشتات.
وتقولُ الأدبياتُ العربية: «بضدِّها تتميّزُ الأشياءُ»، لهذا ندركُ الفارقَ الهائلَ بين ما مضى، وما حلَّ. مَنَّ اللهُ علينا بقائد متحضّر زار أشقاءنا المسيحيين في الكاتدرائية ليهنئهم بأول عيد لهم بعد توليه الحكم يوم ٦ يناير ٢٠١٥، وصار طقسًا سنويًّا طيبًا لم ينقطع. شيّد كنائسَهم مثلما شيّد مساجدنا. أخذ بيد المرضى لينقذهم من الأمراض المستوطنة، وأخرج البسطاءَ من عتمة العشوائيات ليسكنوا مساكنَ صحية مُشمسة أنيقة مؤثَّثة. أخذ بيد ذوى الإعاقة وأطلق عليهم: «ذوى الهمم» ليضعهم في المكانة الرفيعة التي يستحقونها. أخذ بيد المرأة فجعلّها قُرّةَ عين الوطن وسيدةَ قلبه. قضى على الإرهاب الذي كان يُعشِّش كالخلايا السرطانية في جسد مصر، وأنقذ التعليمَ من انهيار أفرز لنا أنصافَ متعلمين وأُميّين بشهادات وهمية، وفى غدٍ قريب نغدو من أرقى نظم التعليم في العالم، واجه التطرفَ الفكرى بأقوال جسورة لم نحلم يومًا أن يقولَها رئيسٌ يعالج العِلّة بمبضع جراحٍ دون أن يعبأ بحناجرَ متشنجةٍ بالصراخ الطائفى الذي يمّزق الوطن.
الرئيس السيسى يفهمُ «الكود المصرى» الذي يعشقُ الشيخ رفعت والمنشاوى وعبدالباسط، مثلما يعشقُ أم كلثوم والأبنودى وبليغ. نحن شعبٌ يحبُّ الباليه مثلما يطمئنُ لسماع «النقشبندى» يشدو «مولاى إنى ببابك». نحن شعبٌ يذوب شجوًا مع أذان المسجد يعلنُ مواقيت الصلاة، ويفرحُ بجرس الكنيسة يعلن بداية عام جديد. شعبٌ تُعلق فيه «مريم» فانوسَ رمضان، وتُزين فيه «فاطمة» شجرةَ الميلاد. شعبٌ أنجب «أحمد زويل»، و«مجدى يعقوب» ليُشيّدا معًا وطنًا جميلًا اسمُه «مصر».
لهذا تتزيّنُ هذه الأيام الفنادقُ والبيوتُ وشوارعُ مصرَ بأشجار «الصنوبر» احتفالًا بعيد الميلاد المجيد، ونقولُ لكل الدنيا: «ميرى كريسماس». وهناك العديد من الروايات حول علاقة شجرة الصنوبر برأس السنة وميلاد السيد المسيح، عليه السلام. منها أن قبيلة وثنية ألمانية كانت تعبدُ «إله الغابات» في القرون الوسطى؛ ويعلّقون قربانًا بشريًّا على شجرة، ثم يذبحونه!، وفى يومٍ مرَّ بهم راهبٌ مسيحىٌّ وهم يعلقون طفلًا كقربان!، نهرهم، وأنقذ الأضحية، وعلّمهم أن السيد المسيح جاء للسلام، لا للقتل. ومن يومها صارت الشجرةُ رمزًا للحياة والميلاد والتجدد. وتقول موسوعة «بريتينيكا» إن المصريين القَدامى أوّلُ مَن اعتبروا الشجرة الدائمة الخضرة رمزًا للميلاد والخلود. وحسب المرويات القروسطية، كانوا يعتبرون الشجرة الخضراء رمزًا لشجرة الفردوس. لهذا زينوها بالتفاح الأحمر (رمزًا للخطيئة الأولى)، وبالنجوم المضيئة وقطع الحلوى (رمزًا للغفران). وتشير روايةٌ أخرى إلى زيارة العائلة المقدسة أرضَ مصر هربًا من «هيرودس»، قاتل الأطفال في فلسطين، وحين لاحقها جنودُه ليقبضوا على العذراء وطفلها، عليهما السلام، لجأت الأسرةُ إلى إحدى الشجرات؛ فمدّت الشجرةُ أغصانها لتُخبئها وتحميها؛ فكافأها اللهُ بأن جعلها دائمة الخضرة، فأضحت رمزًا للخلاص والميلاد الجديد.
وأيًّا ما كانت الرواياتُ حول شجرة الكريسماس، فإنها تظلُّ رمزًا للفرح والميلاد الجديد للأوطان التي تريدُ أن تنهضَ وتنمو وتتفوّق. وها هي مصرُ اليومَ تفرحُ بتشييد «الجمهورية الجديدة» التي يتّحدُ شعبُها وينبذُ كلَّ يدٍ خبيثة هادمة. كلُّ عامٍ ومصرُ شجرةٌ وارفةٌ دائمةُ الاخضرار تظلّلُ بأغصانِها على جميع بنيها دون تمييز. «ميرى كريسماس».