توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النسخةُ الأجملُ.. منك!

  مصر اليوم -

النسخةُ الأجملُ منك

بقلم - فاطمة ناعوت

هل ترى نفسَك صالحًا كامل الأوصاف، مثلما يرى معظمُ الناس أنفسَهم؟ إذن لماذا يكرهُك بعضُ الناس ويلصقون بك صفاتٍ قبيحةً لا تراها فى نفسك؟ أم ترى نفسك مليئًا بالعيوب والنواقص، ومع هذا فهناك مَن يحبك ويقدرك ويراك أرفع الخَلق وأسماهم؟ ليس للنسبية علاقةٌ بالأمر، بل هى «نسخنا» العديدة، ولا أقول «أقنعة».

أظنُّ أن لكلِّ منّا نسخًا ثلاثًا، لا واحدة. الأولى تمثل تصورك الخاص عن نفسك. والثانية يراها الآخرُ بعدسة شخصيته. وبما أن هذا الآخرَ كثيرٌ، فإن هذه النسخة تتشظّى إلى نسخ عديدة بتعداد معارفك. أما النسخة الثالثة فهى «أنت» الحقيقى. وهذه النسخة غالبًا غائمةٌ مُضللِة تكسوها الظلال، لا يعرفها أحدٌ حق المعرفة، ولا حتى أنت تعرفها حق المعرفة. ولهذا قال «سقرط» قولته، التى تبدو لفرط عمقها، ساذجة: «اِعرفْ نفسَك»، وكأنما يطلب المستحيل! لأن المرءَ قد يقضى كاملَ عمره دون أن يعرف نفسه. فمعرفة النفس ليست بالمهمة اليسرة كما يظن الناس، بل هى لغزُ الكون وسرُّ الإنسان الأعظم الذى أفنى فيه الفلاسفةُ حيواتهم ليصلوا إلى معايير تفكُّ شفرته، دون جدوى.

وثمة نسخةٌ رابعة «افتراضية»، هى محور مقالى، هى النسخة الأجمل منك. هى الصورة التى، حين تنظر إلى المرآة، ترجو أن تراها، وتتفرّس فى ملامحها وتقول: «ليتنى هذه الشخصية!» وربما خادعتَ نفسَك قليلا وظننتَ، أن تلك التى تراها الآن منعكسةً على صفحة المرآة المتلألئة، هى أنت ولا أحد سواك. هى الصورة التى تتمنى أن تكونَ عليها، وتفنى عمرك فى محاولة الوصول إليها. لهذا هى افتراضية، غير واقعية. مجرد صورة فى مرآة، كلما حاولت القبض عليها فرّت منك كما السراب الذى لا يُنال. لكن قليلًا من الناس يعرفون كيف يطاردونها حتى يمسكوا بها، ثم يقبضوا عليها، ويعضّوا عليها بالنواجذ، ثم يتلبّسوها، ويلبسوها، ويتدثروا بثوبها. فإذا ما ذاب ذلك الثوبُ الافتراضىُ فوق أجسادهم الواقعية واتحدّ بخلاياها، صاروا هى، وصارت هم. هنا فقط يقدر أولئك الأقوياء ذوو البأس أن يكونوا كما شاءوا هم، وليس كما شِىءَ لهم أن يكونوا. هم يعيدون خلق ذواتهم على النحو الذى يشتهون، وليس كما شاءت لهم الچيناتُ الوراثية والتربية الأسرية والتنشئة المدرسية والمجتمعُ والنصوص الموروثة والعادات والتقاليد.

هذا ما أسميه: «الاشتغال على النفس». إعادة تربية النفس على النحو الأمثل، لنجعل من أنفسنا صورًا أرقى من البشر. هنا يرمى بنا الحديثُ حول إشكالية هل الإنسان مُصيّرٌ أم مُخيّر؟ وهذا ليس موضوعنا على كل حال. إنما إعادة بناء ذواتنا على النحو الذى ننشد. وهو مطمح الفلاسفة منذ فجر الضمير الإنسانى. صورة «سوبر مان» أو «الإنسان الفائق» كما رسمه «نيتشه». الإنسان الفائق ذاك، يصنع الجمالَ، لأنه جمالٌ، ويتجنب الشرَّ، لأنه شرٌّ. لا طمعًا فى مكافأة، ولا خوفًا من عذاب. بل ببساطة يسعى لأن يكون متحضّرًا راقيًا لأنه يؤمن بأن الإنسان يجب أن يكون متحضّرًا راقيًا.

أعرفُ كثيرين ممن أثق أنهم قبضوا على صورتهم الأجمل، وتلبّسوها. مارتن لوثر كنج، جلال الدين الرومى، غاندى، طه حسين، الأم تريزا، ابن رشد، جبران، روزا باركس، مجدى يعقوب، وغيرهم الكثير.

وماذا نفعل بما لدينا من النسخ الأربع من ذواتنا؟ فى تقديرى يجب ألا ننشغل بالنسخ الثلاث الأولى. فالحقيقية مجهولة، لا جدوى من معرفتها. وصورتاك اللتان فى عين نفسك، وفى عيون الآخرين عمياوان، زائفتان، تحكمهما كثير من المعاملات الدخيلة مثل الذاتية والهوى والبغض والمصالح... إلخ. أما الصورة الافتراضية الأجمل التى تتمنى أن تشاهدها كلما شخصتَ فى المرآة، فهى التى، فى ظنى، يجب أن تكون طريدتَنا. هى التى لو ركزنا عليها اهتمامنا، إذن لربّينا أنفسنا وقوّمناها لنصير أجمل وأطيب وأرقى وأكثر إنسانية وتحضّرًا. ليتنا نقبض على صورتنا الأجمل فى المرآة، حتى نصير «إنسانًا».

ومن نُثار خواطرى:

■ ■ ■

(ظلال)

ثمّة أحلامٌ

تزرعُ القطنَ

فوق حوافِ النوافذْ

حتى يصيرَ الهجيرُ

صقيعًا

وبَرَدًا

يغسلُ الخطايا

ويحقِنُ الجدبَ بمائِنا

فتخفُّ قبابُ الروحْ

حتى نغدوَ

هواءً

بلا وطنٍ

يُدثِّر ظلًا

دون جسدٍ

يركضُ بعيدًا

فوق صفحةِ النهرْ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النسخةُ الأجملُ منك النسخةُ الأجملُ منك



GMT 02:27 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

سر القادة: ديغول وبيتان

GMT 03:21 2024 الأحد ,09 حزيران / يونيو

أن تكون رئيسًا للتحرير

GMT 03:19 2024 الأحد ,09 حزيران / يونيو

9 يونيو.. الاستثناء

GMT 02:50 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

لا يختلف طوفان السياسة عن طوفان الطبيعة

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

أسرق.. وبعدين أتصالح!!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon