توقيت القاهرة المحلي 10:11:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«أحمد عدوية»... سِرٌّ اسمُه «الشغف»

  مصر اليوم -

«أحمد عدوية» سِرٌّ اسمُه «الشغف»

بقلم - فاطمة ناعوت

حلَّ الفنانُ «أحمد عدوية» ضيفًا على برنامج «كلمة أخيرة» مع زوجته ورفيقة رحلة كفاحه الطويل، ليحكيا نُثاراتٍ من ذكريات تلك الرحلة بثمارها الحلوة والمُرّة. وبكامل ثِقلِها الإعلامى أدارتِ: «لميس الحديدى» الحوارَ باحترافيةٍ أجادتْ توزيعَ الأسئلة بين الضيفين على نحو واعٍ. تمنحُ الزوجةَ الأسئلةَ الطويلة التى تتطلَّبُ إجاباتُها حكاياتٍ وسردًا لتفاصيلَ واستطراداتٍ، وتمنحُ «عدوية» أسئلةً قصيرة تكون إجاباتُها: «نعم» أو «لا» أو كلماتٍ قليلةً مُقتضبة لكيما توفِّرَ صوتَه «للغناء» الحىّ فى الاستوديو، مع فرقته الموسيقية، وليس Play-Back. ذكاءٌ يُحسب للمحاوِرة المُضيفة، ليس وحسب بسبب حالة «أحمد عدوية» التى تجعله عازفًا عن الكلام الطويل، بل بالأساس لأن المطربَ بشكل عامٍ «وُجِد ليغنى»، لا ليحكى. ذكّرنى هذا بأسطورة مصر السيدة «أم كلثوم»، وهى «الحَكّاءة العظيمة» والموسوعة الثقافية الثرية، حين كانت تعزفُ عن الكلام وتهربُ من اللقاءات التليفزيونية والإذاعية، قائلةً: «صوتى للغناء، لا للكلام». راحت المضيفةُ تنتقلُ بالأسئلة بين الزوجين، ثم مع الأحفاد، بخفّة فراشة تطاردُ خيوطَ الضوء وبريق الألوان، لتحصدَ أكبر قدرٍ من شذى الذكريات الحلوة، وعصيرها المرّ.

ما استوقفنى حقًّا ودفعنى لكتابة هذا المقال هو التحوّل المدهش فى حالة «أحمد عدوية» الكلامية ما بين: «الحكى» و«الغناء». فى «الحكى»: يكادُ يصمتُ، أو يُومئ برأسه، أو يرد بكلمة واحدة؛ حتى تظنّه رافضًا الحديث، فتلتقطُ الزوجةُ الذكيةُ الخيطَ وتُكملُ شريطَ الذكريات. أما فى «الغناء»، فكان «عدوية» لا يوفّرُ حنجرتَه، بل ينطلقُ حاضرًا بكامل قوّته الجسدية، وسِعته الكلامية، واثبًا بين المقامات والجوابات والقرارات بوافر حلاوة صوته وطلاوته، فتُجلجِلُ العُرَبُ وترنُّ البَحّةُ الصوتيةُ المميِّزة لملك الأغنية الشعبية: «أحمد عدوية».

هذا هو «الشغف»؛ الذى يُبدِّلُ حالَ الإنسان من الوهنِ إلى القوة، ومن العزوفِ إلى الإقبال والعزم، ومن الشحّ والتقطير فى الحديث إلى السخاء والاسترسال!. «الشغف» هو «المفتاح السحرى» لجميع البشر. ولكل إنسان شغفُه الخاص، فإن أردتَ أن تستحثَّ شخصًا لإفراغ كامل طاقته، ابحثْ عن «شغفه»، واضغطْ على زرّه. ولهذا نجحت هذه الحلقة التاريخية وكان استمتاعُنا بها فائقًا. بين لحظات «الغناء الحىّ» لعدوية، التى تتخلّلُ لحظات استعراض الزوجة لشريط رحلة طويلة قوامُها نصف قرن من الأمجاد والانكسارات، كانت فيها السيدة «ونيسة عاطف» السندَ والصخرةَ لزوجها الفنان، الذى شكّل حالةً فريدة فى مدوّنة الغناء المصرى والعربى منذ سبعينيات القرن الماضى، وحتى اليوم والغد.

لا أظن أن مطربًا قد حورِب وهوجم واختُزِل واغتيل معنويًّا وتعرّض للاستعلاء النقدى من قِبَل المثقفين، كما حدث لـ«أحمد عدوية»!. حملاتٌ جمعية حاشدة من التشويه والاغتيال الأدبى دُشِّنت لإسقاط عدوية فى السبعينيات والثمانينيات، واتُّهم بأنه السبب فى انحطاط الذائقة السمعية، وأنه إفرازُ حال الإحباط النفسى التى تلت نكسة 67، وإحدى ثمار الانفتاح الاقتصادى، الذى أغرق الشارع المصرى بالوحل الفنى وغيرها من الاتهامات من قِبَل مثقفين لا يعرفون إلا اللون الواحد والمطرب الواحد والأديب الواحد، غير قادرين على إدراك أن صفحة النهر جميلة فقط بسبب تلألؤ كريّات الماء بألوانها المختلفة تحت انعكاسات وانكسارات ضوء الشمس.

وأعترفُ بأننى كنتُ من أولئك المهاجمين فى صباى المبكر فى المرحلة الثانوية، كونى تربيتُ فى مدرسة «أم كلثوم» و«عبدالوهاب» و«فيروز»، ولكننى انتبهت إلى موهبة «عدوية» الفطرية الآسرة بعد نضوجى الفكرى وإدراكى أن الحديقة ساحرة فقط بتنوع ألوان زهورها، وأن بين الأبيض والأسود ملايين الدرجات الرمادية، التى لولاها ما كانت الظلالُ التى ترسم جمال وجه العالم وسحره. ولم يرد «عدوية» على حملات الاغتيال، بل استمر فى مشواره نائيًا عن الجدل والمناطحة. وتحمّس له كبارٌ فى عالم الثقافة والفكر مثل الأديب «نجيب محفوظ»، وهو القادر على التقاط خيوط الفن من نسيج الحياة مهما اختلفت مشاربه، فقال: «إن عدوية يُطربه لأن صوته به حلاوة، ويغنى بكلمات من معجم الشعب». ولحّن لـ«عدوية» عمالقة كلُّ واحد منهم بمثابة «مجرّة» موسيقية ثقيلة الحمولة مثل: «بليغ حمدى»، «هانى شنودة»، «سيد مكاوى»، «كمال الطويل»، «عمار الشريعى»، «حسن أبوالسعود»، وغيرهم من عباقرة النغم. وكتب كلماتِ أغنياته شعراءُ كبارٌ، منحوا كلماتِهم لمطربين كبارٍ وضنّوا بها على مطربين آخرين، مثل العمالقة: «مأمون الشناوى»، «عبدالرحمن الأبنودى»، «صلاح جاهين»، «سمير الطاير»، بالإضافة إلى رفيق دربه: «حسن أبوعتمان». ولا يمكن أن نغفلَ شركاءَ «عدوية» فى صناعة تلك الظاهرة الفنية وهم أُسطوات الآلات الموسيقية المصاحبة لحنجرته: «ناى» سيد أبوشفة، «أكورديون» أبوالسعود، «رقّ» حسن أنور، «كمان» الأسطورة الفنية «عبده داغر».

لا شكَّ أن «عدوية» ظاهرةٌ متفردة لا تشبه إلا نفسها. صنع فى الشارع المصرى حالة مزاجية طربية لم تتكرّر. له «توقيعُه» الخاص، وبصمةٌ خاصة لم تتكرّر فى عالم الأغنية الشعبية.

شكرًا لبرنامج «آخر الكلام» لاستضافة هذا الصوت المنزوع من تراب الحارة المصرية، والذى أنتج لنا كل هذا الميراث من الفن الفريد، وكان الأب الروحى الحقيقى لكل مَن تلاه من سكّان بيت الغناء الشعبى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أحمد عدوية» سِرٌّ اسمُه «الشغف» «أحمد عدوية» سِرٌّ اسمُه «الشغف»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon