توقيت القاهرة المحلي 11:08:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيزيس الحكيم إيزيس السعداوى

  مصر اليوم -

إيزيس الحكيم إيزيس السعداوى

فاطمة ناعوت
بقلم - فاطمة ناعوت

«إيزيس»، ربّة الاكتمال والحكمة عند جدِّنا المصرى القديم، هى «المرأة» بوصفها نموذجًا للكمال الوجودىّ. استلهمها كثير من الكُتّاب فى أعمالهم، لكننى أتوقف أمام نموذجين نقيضين فى زاوية النظر إليها. مسرحية «إيزيس» لعميد المسرح العربى «توفيق الحكيم»، والتى صدرت عام ١٩٥٥، ومسرحية «إيزيس» للدكتورة «نوال السعداوى»، الصادرة عام ١٩٨٥. والطريفُ أننى حين قرأتُ المسرحيتين لم أقرأ شخصَ «إيزيس» بقدر ما قرأت «عقلَ» كلّ مبدع منهما، وأسلوب رؤيته للعالم. «توفيق الحكيم» ومغالاته فى النظرة المتعالية للمرأة ووضعها فى مرتبة دنيا، و«نوال السعدواى» ومغالاتها فى إعلاء شأن المرأة. ولن أزعمَ الحيادَ وأقول إننى فى حال تأمل موضوعى لمبدعيْن من رموز الحياة الثقافية المصرية، بل سأتخذ موقعى كمؤيدة لنظرة «نوال السعدواى» للمرأة، مع عشقى الهائل للعظيم «توفيق الحكيم». وموقفى هنا ليس بوصفى امرأة فى مجتمع ذكورى، بل انتصارٌ لمبدأ «تأنيث العالم»، وتكريسٌ قيم الحقّ والخير والجمال فى الوجود. ومن الطريف أيضًا أن «الحكيم» كان يحاول تمجيد «إيزيس» ومدحها بصفاتٍ رفيعة من قبيل الوفاء والإخلاص وإعلاء شأن الزوج، وجميعُها خصالٌ تصبُّ فى صالح الرجل؛ حتى إنه، فى بيانه الختامى للمسرحية، ربط بينها وبين «شهرزاد» التاريخ، و«بنيلوب» الإغريق، زوجة «أوديسيوس» المخلصة، من حيث اتفاقهن فى «الوفاء الزوجى»

وبهذا فجميع النعوت الطيبة التى خلعها على «إيزيس» كانت فى إطار حِبال الرجل وتدثّرها بعباءته؛ وكأن لا جمالَ وجوديًّا وإنسانيًّا لامرأة خارج حدود الرجل بعيدًا عن بساطه!. لم أكن لأقول هذا لولا أننى فى حال مقارنة بين المسرحيتين، فالحكيمُ غيرُ مُلامٍ حين استلهم جوهرَ الأسطورة «كما هى» ونسج على نَولها، وبذا فهو غير مُطالب بتغيير الأحداث لصالح فكرة ما، ليس لأنه اشتهر بعدائه للمرأة؛ فهو لم يكن عدوًّا لـ«إيزيس»، بل لأنه كرّم شخصَها فى مسرحيته عبر تكريس قيمة «الوفاء الزوجىّ» ولا شىء آخر. و«الوفاء» قيمة جليلةٌ أعلى من أن نناقش حتميتَها، إلا أن اختصارَ القِيَم فى الوفاء وحسب، نقصانٌ للقيم. «إيزيس السعداوى» تقول إن الجمال الإنسانى يكمنُ فى مناطق أخرى كثيرة غير هذه القيمة التى تنهل من بساط الرجل وتصبُّ فيه. لأن «الجمال الإنسانى العام» إذا توّلد، فسوف ينبتُ جميعَ ألوان القيم الأخرى، ومن بينها: الوفاء والنبل والحب والقوة والصدق والرحمة والكرم والإيثار وغيرها. ومن ثَمَّ فقد رسمت «السعداوى» «منبعَ» النهر، فيما رسم «الحكيمُ» «فرعًا» من فروعه، ففى حين كانت «إيزيس الحكيم» مجرد امرأةٍ أرملَ تحاولُ لملمة نُثارات وأشلاء جسد زوجها المغدور، الذى قتله شقيقُه «سيت» إله الشر، كانت «إيزيس السعداوى» امرأةً قوية مثقفةً فاعلةً فى المجتمع، تبنى عقولَ الناشئة وتعلمهم الكتابةَ والقراءةَ وتبذرُ فيهم المفهومَ الحقيقى للعدل والجمال والنبالة واحترام الإنسان لنفسه وللآخر بصرف النظر عن نوعه وعِرقه وطبقته وديانته.

«إيزيس الحكيم» امرأةٌ «مفعولٌ بها» كما هو شأن المرأة فى معظم الأدب الكلاسيكىّ، ويأتى دورُها دائمًا كردّة فعلٍ صنعه الرجل، فالرجلُ هو المهيمنُ على حراك الكون والموجودات، وما المرأةُ إلا أحدُ تلك الموجودات التى تخص الرجل. لكن «إيزيس السعداوى» هى مالكٌ مُناصِفٌ للكون مع الرجل، وفاعلٌ مُفعِّلٌ للوجود والأحداث. «إيزيس الجديدة» لا تدور فى فلك الرجل وداخل عباءته، فهى موجودة بشخصها الفاعل، تبنى الكونَ إلى جوار الرجل، عكس الأولى، التى وجودها مرهونٌ بوجود الرجل. وكما قال الفارابى: «كلُّ موجودٍ بغيره آلةٌ»، أى «أداة».والحقُّ أن «نوال السعداوى» لم تقل الصدقَ فى مقدمتها حين زعمت أنها «ترد الاعتبار إلى (إيزيس) القوية التى ظلمها التاريخ». فـ«السعداوى» ليست ذلك الشخص «الماضوىّ»، الذى تعنيه إعادةُ ترتيب التاريخ وتصحيحُه. لكنها كتبت تلك المسرحية كرسالة شديدة اللهجة إلى «المستقبل»، الذى هو وحدَه ما يعنيها. ومسرحية «إيزيس» ليست العمل الوحيد لها الذى يُخفى بين سطوره رسالةً إلى المجتمع، فجميعُ أعمالها تنحو النحوَ ذاته، فهى تُجيد لعبة الرمز والقناع وتضمين الرسائل المُرّة خلال أعمالها الأدبية لإصلاح المجتمع. والكاتبُ عادةً يلجأ إلى الرمز، ليس فقط كتيمة فنية، بل كذلك حينما يَفْسد المجتمعُ وتغيب القيم. تمامًا كما فعل الحكيم «بيدبا» فى «كليلة ودمنة»، ولنا فى التاريخ شواهدُ عديدةٌ مماثلة. لو قرأنا «إيزيس السعداوى» من هذا المنطلق، فسوف نجد بين أيدينا نصًّا إصلاحيًّا مغلّفًا برداءٍ أدبىّ، أو هو خطابٌ بعلم الوصول كتبته «الملكة إيزيس» فى مرقدها خلف قرص الشمس، لترسله إلى وطنها المعاصر.

وحين حاول «سيت» أن يبثَّ حبَّه لـ«إيزيس» قالت له: «الآن أدركتُ لماذا أحببت أوزوريس ولم أحبك. كنتُ مع أوزوريس أشعرُ أننى إنسان. كان يعرف قيمتى. الحبُّ هو المعرفة. أن تعرف قيمة مَن تحب. أوزوريس كان يعرفنى، يعرف إنسانيتى ويعرف أجملَ ما فىَّ: عقلى وقلبى».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيزيس الحكيم إيزيس السعداوى إيزيس الحكيم إيزيس السعداوى



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon