بقلم - فاطمة ناعوت
زى النهارده منذ تسع سنوات، أشرقتْ على مصرَ شمسُ ٣٠ يونيو الساطعة. وهذه شهادتى للتاريخ. (موعدنا ٣٠ يونيو)، كانت العبارةَ التى أختتمُ بها جميعَ مقالاتى بجريدة «المصرى اليوم»، منذ قررنا، مع طفح الكيل من أخونة مصر، تطهيرَ عرشها العالى من سرطان الإخوان، وإسقاط الجواسيس الذين سرقوها بليلٍ، فيما نحن عنهم غافلون. على مدى شهرين كاملين بدأتُ الحشدَ ليوم عظيم من عمرى؛ بكامل عُدّتى وعتادى، وأسلحتى: (القلم) فى مقالاتى وكتبى، (الحاسوب) فى التغريدات والبوستات، (الحنجرة) على شاشات الفضائيات والإذاعات والمحاضرات، و(اللافتات) المناهضة لحكم المرشد، أحملُها وأجوبُ بها الطرقات.
تخلّل ذلكما الشهرين (اعتصامُ المثقفين)، الذى أشرق مع بداية شهر يونيو ٢٠١٣. وكان «اعتصامُ المثقفين» الشرارةَ التى انطلقت من دار الأوبرا تضامنًا مع «مديرة دار الأوبرا» آنذاك، «د. إيناس عبدالدايم»، وزيرة الثقافة الحالية، التى قرر وزيرُ الثقافة الإخوانى آنذاك «علاء عبدالعزيز» إقالتَها. ولم نقبل، نحن الشارعَ الثقافى، هذا العبثَ، فخرجنا من دار الأوبرا لنحتلَّ وزارة الثقافة فى شارع «شجر الدرّ» بالزمالك، واعتصمنا بها لا نبرحُها حتى نمنع الوزيرَ الإخوانى من دخولها. قاومنا بلطجيةَ الإخوان الذين تحرّشوا بنا وحاولوا إيذاءنا، ولقّنا الإخوانيين: «أحمد المغير، وعمرو عبدالهادى»، الهاربين الآن خارج مصر، درسًا لن ينسياه. أجّجَ اعتصامُنا حماسَ الشعب المصرى ضد خونة الأوطان. وتصاعدت مطالبُنا من إقالة الوزير الإخوانى (عدو الثقافة والفنون)، إلى إسقاط المرحوم «محمد مرسى» والمرشد (عدو الوطن) عن عرش مصر. رددنا على تحريم الفنون بأن رقصنا «زوربا» مع فرقة باليه القاهرة فى الشارع أمام وزارة الثقافة فى شارع «شجر الدر» بالزمالك، وشاركتنا جموعُ الشعب المصرى من المارّة وحُراس العقارات وسُيّاس الجراچات، فكانت تظاهرةً شعبية فنية فائقة الجمال. من داخل الاعتصام هتفتُ للإخوان: (أهلًا بكم فى عُشّ الدبابير، موعدُ رحيلكم آنَ الآنَ أيها الإخوان. فالمثقفُ قد يصمتُ ويغضُّ الطرفَ مادام «عُشُّه الثقافىُّ» مُحصّنًا وشرنقته الإبداعية فى أمان. فإذا ما تهدَّد ذلك العشَّ خطرٌ ما خرج عن صمته وانتفض). وهو ما كان. التحمَ المثقفون والفنانون والأدباء على قول واحد وقرار: «لا محلَّ للإخوان فى ديارنا». وربضنا فى مقر وزارة الثقافة قرابة الشهر حتى أشرقت شمسُ ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
تمطّع أحدُ أعضاء حزب النور السلفى ظهير الإخوان، وهَرَف قائلًا: «الباليه فنّ العُراة»!! ثم أفتى بتحريمه لأنه يثير الشهوات! سألتنى باليرينا نحيلة والدمعُ فى عينيها: (هل حقًّا أجسامُنا مثيرة للشهوات ونحن نرقصُ الباليه؟) فأجبتها بسخطٍ: (من تُثِر شهواتِه الفراشاتُ، فعيناه ليستا فى رأسه، بل فى مكان آخر!)، هنا أدركتُ أن إسقاطَ الإخوان بات قابَ قوسين أو أدنى. فالإخوانُ والتكفيريون والمتطرفون، جميعهم تنويعاتٌ مختلفة على نغمةٍ نشاز واحدة تكره العلمَ والفنَ والحياة، بقدر ما يكرهون الوطن.
طلبتُ فى أحد مقالاتى أن يهبط «الباليه» من برجه العاجى/ خشبات مسارح الأوبرا، ويُقدَّم للناس فى الشارع، كما كان يفعل فنانو «التروبادور» فى إسبانيا. وبالفعل استجابوا ورقصوا الباليه فى الشارع ورقصنا معهم. أقسمنا نحن المثقفين ألا نفُضَّ اعتصامَنا، حتى لو أُقيل الوزير المزعوم، حتى يلتحم اعتصامُنا بثورة ٣٠ يونيو الشعبية الخالدة. وكانت لوحةُ المثقفين التى رسمناها باعتصامنا الطويل القطعةَ الفنية الأرقى والأكثرَ أناقة بين كل ما أنتجته الشعوبُ من قطع فنية خالدة.
وحين أشرقت شمسُ نهار ٣٠ يونيو، هدرت جموعُ الشعب من كل صوب تنادى بسقوط الخونة عن عرش بلادنا. ساندنا وحمى مشوارَنا وبارك إرادتَنا الشعبيةَ، جيشُنا المصرى العظيم، وفارسُنا الجسور المشير/ «عبدالفتاح السيسى» الذى كافأنا اللهُ به رئيسًا بعد ذلك. وجرت المياهُ فى النهر من جديد.
كنا على يقين من أن بداية النور والتنوير والانعتاق من الظلام سوف تبدأ فى اليوم التالى لإسقاط الإخوان، وهذا ما سعى إليه الرئيسُ السيسى المستنير. لكن مشوارَ التنوير مازال طويلًا وشائكًا وقاسيًا، لأن البناءَ عسيرٌ بعد طول هدم مظلم ومنظّم بدأه أعداءُ الحياة منذ نصف قرن يضربون خاصرة التنوير بمعاول الظلام والتجهيل ومحاربة الفكر والعلم والفنون. طويلٌ مشوارُنا التنويرىُّ حتى نوقدَ ما يكفى من شموع لمحو الظلام الذى رسمه الظلاميون فى أركان مصر وجوانبها. دعونا نوقد شموعَ التنوير فى مصر ونعمل بجدّ كما يجدُّ ويكدُّ الرئيسُ العظيم/ «عبدالفتاح السيسى»، حتى ننهضَ بمصرَ، وتُكلَّلَ ثورتُنا بالنجاح، ويغمر قلبَ مصرَ الفرحُ. مصرُ اليوم تنهضُ فى وثباتٍ تنموية وحضارية وتنويرية متسارعة لا يُنكرها إلا أعمى أو كذوب. وسوف يشرقُ غدٌ قريبٌ على مصرَ بإذنه تعالى، وهى «قد الدنيا»، كما يليق باسمها الخالد العريق.