توقيت القاهرة المحلي 10:37:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«المتوحّدون».. النسخة «الأنقَى» من البشر

  مصر اليوم -

«المتوحّدون» النسخة «الأنقَى» من البشر

بقلم - فاطمة ناعوت

«نديم» الشابُّ «المتوحّد»، الذى خطف قلوبَ المشاهدين، وقلوبَ أمهاتِ أبناء «طيف التوحّد» خاصةً، برع النجمُ الواعد «طه دسوقى» فى أداء شخصيته على نحو فائق فى مسلسل «حالة خاصة»، الذى عرضته Watch it على منصّتها. مع الحلقة الأولى كتبتُ له: (كأننى أشاهدُ ابنى المتوحّد «عُمَر» بكل ما يحملُ من نقاء وذكاء وانطوائية، ونفور من الصخب و«الدوشة» والنفاق والوصولية). «المتوحدون»، العازفون عن المغانم والأضواء، الحالمون بعالم هادئ خالٍ من الأحقاد والجرائم والظلم، هم النسخة «الأنقى» من البشر. يوصمون بأنهم «مرضى»، بينما لو قرأنا «الكاتالوج»، الذى بُنيت عليه شخصياتُهم، لصار حُلمُنا محاولةَ تقليدهم، لكى نتحرّرَ من أدران المداهنة والطمع والحسد والوصولية والكذب وغيرها من الرَّداءات التى يمارسُها بعضُ الناس حتى يحصدوا مغانمَ دون تعب أو استحقاق.

لم أشاهد المسلسل كـ«متفرّجة» عادية، بل كـ«أمٍّ» أكرمها الله بمنحى طفلًا متوحّدًا، صار اليومَ شابًّا جميلًا يقاربُ «نديم» فى العمر. ولأن معى «كتالوج» نجلى المتوحّد «عمر» من أبناء Asperger الواقعين فى ASD أو Autism Spectrum Disorder، كنتُ أتوقّعُ أفعالَ «نديم» فى كل مشهد، قبل فعلها: ضبطَ الأشياء المنحرفة على المكتب، فهمَ المجازات بالمعنى «الحَرفىّ» للكلمات، تعفّفَه عن الكذب والنفاق تحت أى شرط، نفورَه من «دوشة» العالم والأضواء، استغناءَه عن المغانم التى يتقاتلُ الناسُ من أجلها.

برع «طه دسوقى» فى تلبّس شخصية «المتوحّد» بكل سلوكها الرفيع المترفّع، وكامل أدائها الجسدى فى نفوره من التلامس والتواصل البصرى مع الآخرين، والرغبة فى العزلة والهروب من العالم بـ«التوحّد» مع النفس والغرق فى الكتب والرسم والموسيقى لبناء عالم طوباوى هادئ بسيط؛ لا ضوضاءَ فيه ولا مشاحنات. وبالرغم من امتلاك «المتوحّد» عقلًا مركّبًا شديد التعقيد، يستطيع من خلاله حلّ أصعب المسائل الرياضية كما حال «آينشتين- نيوتن- إديسون» وغيرهم من عباقرة الرياضيات المتوحدين، وتركيب أعقد الجمل الموسيقية مثل «موزارت أماديوس»، ورسم أعقد اللوحات مثل «فان جوخ» و«ستيفن ويلتشر» وابنى «عمر»، وحلّ أعقد القضايا الجنائية كما شاهدنا المحامى المتوحد «نديم» فى المسلسل، إلا أنهم يمليون إلى خلق عالم بسيط لا بهرجة فيه ولا أضواء ولا صخب.

يُحسب للمسلسل إشارته إلى فلسطين عبر اسم الحبيبة السورية: «رام الله»، التى تحملُ حقيبة جلدية على شكل خريطة «فلسطين»، ودخلت المكتبة لتسأل عن رواية «أعراس آمنة» للروائى الفلسطينى «إبراهيم نصرالله». وجاءت تلك الإشاراتُ الرهيفةُ الثلاثُ: الاسم- الحقيبة- عنوان الكتاب، أقوى كثيرًا من التصريحات الحنجورية التى تُفرّغ القضايا الكبرى من جوهرها. ورغم الأداء الجيد للفنانة «هاجر السراج» ووجهها الذى يشعُّ براءة ورقّة، إلا أننى جزعتُ (كأمٍّ لشاب متوحد) من ارتباطها بـ«نديم» فى نهاية المسلسل، فالشخصية كما جسدتها الدراما: وصوليةٌ تخطّط لزواج بمصرى فقط للحصول على الإقامة، وسمحت لنفسها باللعب بأحلام ثلاثة رجال أحبوها، من بينهم رجلٌ متزوج!، فكيف أطمئنُ لارتباط شخصية مثل تلك بشخص متوحد طوباوى نقىٍّ، لا يعتمدُ من الحياة إلا شقَّها الطيب الحَسن؟!. كنت أفضل عدم إثقال المسلسل ببعض الخيوط الدرامية، من أجل تكثيفه وإبراز الهدف الأساسى، وهو: «تسليط الضوء على تلك الكائنات النورانية التى تحيا بيننا من أبناء طيف التوحد». الفنانة الجميلة «غادة عادل»، المحامية اللامعة التى برعت فى أداء دورها، وتشخيص القلق على مستقبل طفلها المتوحد «علىّ»، وبالرغم من جمالها وتفوقها المهنى واهتمامها بأسرتها، إلا أن زوجها يخونها!، ومن بين مَن خانها معهن «رام الله»، حبيبة «نديم»!. هذا الخيطُ كان إثقالًا للدراما وتشويهًا للشخصية التى سوف تُكمل الطريق مع «المتوحد» النقىّ!، وغير ذلك من الخطوط الدرامية المتشعبة، والزائدة عن حاجة مسلسل قصير من حلقات عشر، يروم التكثيف ولا يحتملُ كلَّ تلك التشعبات غير المشبّعة دراميًّا.

«جميل» صاحب المكتبة «النقى»: الصديقُ الأوحد والأبُ الروحى ومدرّسُ الظلّ للشاب المتوحد، أدّى دورَه ببراعه الفنان «نبيل على ماهر». وبرحيله صار العالمُ خاويًا ليبدأ «نديم» مرحلة جديدة من الاعتماد على النفس، بل يصير هو «مدرس الظل» Shadow Teacher للمتوحد الطفل «على»؛ لكى تستمرَ دائرةُ التواصل الإنسانى بين «الأنقياء». ونجح الطفل الموهوب «آدم النحاس» فى أداء دور «نديم» طفلًا متوحدًا يتلمّسُ خُطاه الأولى فى الحياة، بكامل عبقريته الفطرية التى لم تعفِه من تنمّر الرفاق الصغار، الذين لم يعرفوا «كتالوج» التعامل مع هذه الشخصية الاستثنائية «غير العادية».

من أهم مقومات نجاح المسلسل كانت الموسيقى التصويرية الساحرة، التى تفيضُ طفولةً وبهجة وحياةً للموسيقار العبقرى «هانى شنودة»، وأغنيات فريق «المصريين» التى كان «نديم» يهربُ إليها من صخب العالم. شكرًا للدراما المصرية التى بدأت فى تسليط الضوء على المتوحدين؛ لكى يُدرك الناسُ طبيعة تلك الكائنات النورانية التى تحيا بيننا، دون إعلان عن نفسها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«المتوحّدون» النسخة «الأنقَى» من البشر «المتوحّدون» النسخة «الأنقَى» من البشر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon