توقيت القاهرة المحلي 08:28:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لكى تعرفَ الزهورَ.. كُن زهرةً

  مصر اليوم -

لكى تعرفَ الزهورَ كُن زهرةً

بقلم - فاطمة ناعوت

لكى تعرف ما هي «الزهرة»، عليك أن تصبح أنت ذاتُك «زهرة»، لكى تعيشَ حياتَها وتشعر بما تشعر. لابد أن تتفتّح كزهرة. تبتهج لنور الشمس، وترقص مع هطول المطر وتُخرج البراعمَ من نسيجك، وحين يحدث كل ما سبق، سوف تسمعُ الزهورَ تكلمك وتحكى لك أسرارها. هكذا تعلمك فلسفة «زِّن» إذا أردتَ أن تناقش أو تحكم على أي موضوع. عليك أن تدخل الموضوع لتراه من الداخل وتشعر بها كما يشعر هو بذاته. وفلسفة «زِن» تعنى التأمل العميق، نشأت في الهند وانتشرت في بلاد الشرق الأقصى حتى وصلت إلى اليابان. وهى تدعو إلى «الوعى بالذات»، والغوص داخل النفس والنفور من كل ما حولنا من عوالم خارجية وشهوات.

في مقالى السابق، يوم الخميس، أخبرتكم عن أول كتاب قرأته في طفولتى وكانت رواية: «أحدب نوتردام» للفرنسى «فيكتور أوجو»، ووعدتكم بالحديث عن آخر ما قرأتُ من كتب، والأدق «أحدث» ما قرأتُ، وهو: «التصوّف البوذى والتحليل النفسى»، تأليف «د. ت. سوزوكى» وترجمة د. «ثائر ديب». يحاول الكتابُ البحث عن خيوط تربط بين منظومتين إنسانيتين تبدوان متنافرتين ليس بينهما إلا تناقضات. بوذية «زِنْ» التي هبطت على العقل الشرقىّ الميّال إلى التأمل والتجريد الروحانى، كما يليق بالعقلية الهندية والصينية، في مقابل: «التحليل النفسى» الذي هو نتاج تزاوج العقلانية الإنسانية الغربية، مع رومانسية القرن التاسع عشر الأوروبى، والذى تمتد جذوره الأولى إلى الحكمة الإغريقية في بحثها عن ماهية الإنسان والقوى الغامضة التي تُسيّره.

وبينما ينهجُ «التحليلُ النفسى» النهجَ العلمى العقلانى، تنحو بوذية «زن» المنحى الوجودىّ الروحىّ حتى لتقترب في تعريفها من فلسفة «التصوف الدينى» بوصفها محاولة الوصول إلى الذات العيا عبر مرحلة «الاستنارة». وبينما يسعى «التحليل النفسى» إلى استخلاص الإنسان من أمراضه الذهنية، فإن «البوذية» تتوقُ إلى الخلاص الروحى للإنسان. بين ركام كل تلك التباينات الجوهرية بين المنظومتين، هل يمكن السعى وراء أي روابط بينهما؟ هذا الكتابُ إذن هو محاولة عقد «مقارنة حذرة» بين منظومتين تبدوان، ظاهريًّا، متضادتين، حتى وإن ظلَّ «الإنسانُ» وسلامتُه الذهنية والروحية هو شاغلَهما الأول.

والحقيقة أننى قبل الشروع في قراءة هذا الكتاب، كنتُ أقرأ في ديوان «أشعار زِّنْ»، Zen Poetry كان أهداه لى الشاعر الأمريكى، «سام هاميل»، المناهضُ لسياسات البيت الأبيض في الشرق الأوسط، حين التقينا في سويسرا عام ٢٠٠٧ في «مهرجان المتنبى الشعرى»، الذي يقيمه الشاعرُ العراقى «على الشلاه». وجوهر منظومة «زِن» عرّفه «سوزوكى» بأنه فنُّ تبصُّر المرء بطبيعة ماهيته، بوصفه دليلا ومرشدًا إلى طريق الرحلة من العبودية إلى الحرية عبر تحرير كلَّ الطاقات الخبيئة داخل كلِّ إنسان. تلك الطاقة تكون، في الأحوال العادية، محبوسةً ومشوَّهة، فلا تجد قناة أو متنفسًا لتفعيل نشاطها. وعلى هذا فإن غاية «زِنْ» هي إنقاذ الإنسان من الجنون والعجز. والحرية التي يعنيها الكتاب هي إفساح المجال للدوافع الخلاقة والخيِّرة، الكامنة أصلا في قلوبنا، بحيث يمكن لها أن تتحرك بحريّة. فنحن عميان تجاه حقيقة: ««ن في حوزتنا كلَّ القدرات والإمكانات الضرورية لجعلنا سعداء، يحبُّ واحدُنا الآخر». محورُ الكتاب هو التوجُّه الأخلاقى الذي يتقاسمه كلٌّ من «زِنْ» و«التحليل النفسى».

فلكى تتحقق غايات «زِنْ» لا بدَّ من التغلب على الجشع. جشعَ التملّك، جشع المجد، وجميع أشكال الجشع مثل الحسد والشهوة والأنانية. وهذا بالضبط ما يهدف إليه التحليل النفسى. فالجشع، في معجم التحليلى النفسى، ظاهرة مَرَضية، تظهر حين لا يكون المرءُ قد طوَّر قدراته وطاقاته المنتجة. ورغم أن التحليل النفسى ليس منظومة أخلاقية، وكذلك «زِنْ»، التي تتعالى غاياتُها على الغاية التي يضعها السلوك الأخلاقى هدفًا، إلا أن كلتا المنظومتين تفترضان أن يتماشى تحقيقُ غايتهما مع التحوُّل نحو الأخلاق القويمة، مثل: التغلب على الجشع، والقدرة على الحبِّ والإيثار والرحمة. «التحليل النفسى» و«زن»، لا يحققان للإنسان حياة فاضلة عن طريق «قمع الرغبة الشريرة»، بل يتوقعان أن تذوب الرغبةُ الشريرة وتتلاشى من تلقاء ذاتها تحت نور الوعى المتعاظم ودفئه. فلا يمكن الوصول إلى غاية «زِنْ» من دون التغلُّب على الطمع وتمجيد الذات والحماقة.

ولا يمكن تحقيق «ساتورى» Satori، أي «الاستنارة»، دون التواضع والمحبة والرحمة. وكذلك لا يمكن تحقيق غاية «التحليل النفسى» ما لم يحدث تحوُّل إيجابى في طباع الشخص وأخلاقه. فمَن يبلغ «الطور المُنتِج» لابد أن يكون قد كفَّ عن الجشع، وتغلَّب على شعوره بالعظَمة، وعلى أوهام القدرة الكاملة والمعرفة الكلِّية، فتراه متواضعًا، ينظر إلى نفسه كما هي عليه حقًّا. وإذن، فإن ما يرمى إليه كلٌّ من «زِنْ» و«التحليل النفسى» يتعالى على الأخلاق القويمة، إلا أنه من المستحيل تحقيقه ما لم يحدث التحوُّل الأخلاقى نحو الفضيلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لكى تعرفَ الزهورَ كُن زهرةً لكى تعرفَ الزهورَ كُن زهرةً



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon