توقيت القاهرة المحلي 10:22:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التهمة: يبتسمون فى وجوه مَن لا يعرفون!

  مصر اليوم -

التهمة يبتسمون فى وجوه مَن لا يعرفون

بقلم - فاطمة ناعوت

بالأمس، كنتُ جالسة على الرصيف أمام بيتى تحت وهج الشمس الحارقة أملأ بالمنفاخ إطارات دراجة ابنى المتوحّد «عمر»، وأحاول إصلاح المقعد المكسور. كنتُ أتصبَّبُ عرقًا وعظام كفى اليسرى المُجبّرة بالضمادات تؤلمنى أشدَّ الألم بسبب شرخ فى الأصابع بعد حادث. وأنا فى تلك الحال الصعبة، وصغيرى يستحثُّنى على إصلاح دراجته، التى هى متعتُه الوحيدة فى الحياة تقريبًا بالإضافة إلى السباحة والرسم، إذا بفرد الأمن الخاص بالمجموعة السكنية يتقدّم نحوى قائلًا: (صباح الخير يا أستاذة. «عمر» ابن حضرتك طيب، بس بيعمل مشاكل كل يوم مع السكان لما بينزل يركب العجلة!). انزعجتُ ونظرتُ للأعلى نحوه متسائلة وقلبى يخفق هلعًا، فاستأنف قائلًا: (بيبتسم للناس!، وامبارح كان فيه راجل هايضربه عشان «عمر» ابتسم لمراته!، افتكره بيعاكسها!، بس أنا جريت عليه، وأنقذته، وفهمته إن «عمر» تَعبان!)، ولم أدرِ بنفسى إلا والدموعُ تنهمرُ من عينى كالمطر، وقلت لفرد الأمن: (يعنى ابنى متهم بالابتسام فى وجوه الناس!)، قال الشابُّ الريفىُّ ببراءة: (أيوة. عشان بيضحك لناس ميعرفهمش يا أستاذة!، ولولا وجودى كان الرجل قطّعه ضرب!).

دعونى أخبركم ببضع حقائقَ قبل تقديم عريضة دفاعى عن ابنى «المتهم بالجرم المشهود: الابتسامُ فى وجوه الناس». أنا لا أفارقُ ابنى مطلقًا. أرافقُه فى كل مكان، النادى، تمارينه الرياضية، وجميع أنشطة يومه. وهو يرافقنى فى ندواتى ومحاضراتى وأسفارى. ووقت ركوبه دراجته أقود دراجتى ونتنزه معًا فى الحدائق. وبسبب الشرخ فى كفى الأيسر، وأنا «عسراء» بالمناسبة، لم أستطع مرافقته فى الفترة الأخيرة؛ ولأننا نسكنُ فى «الرحاب» فى منطقة هادئة، أكونُ مطمئنة عليه بنسبة ١٠٠٪. ولم يدُر بخلدى أنه يرتكبُ فى غيابى جريمة: «الابتسام فى وجوه الناس!!»، كيف يجرؤ أن ينفّذ وصية الرسول (ص) حين قال: «تبسُّمُك فى وجه أخيك صدقة»؟!، كيف لا يتجهَّمُ ويُكشِّرُ ويعبسُ فى وجوه الناس حتى يطمئنَ إليه الناسُ؟!.

قبل أن أقدم عريضة دفاعى عن ابنى المتهم، دعونى أخبركم بأننى قبل عشرين عامًا كتبتُ مقالًا عنوانه: «رُدّ لى ابتسامتى»، تساءلتُ فيه عن سرّ توجّسنا من «الآخر». فى الغرب، مستحيلٌ أن تلتقى عيناك بعينى شخص آخر فى الطريق دون أن يبتسمَ لك، ويومئ لك برأسه كتحية. الفلسفة: شخصان غريبان لا يعرفُ أحدُهما الآخر، يسيران فوق كوكب الأرض، تصادفَ أن التقت عيونهم للمرة الأولى، وربما الأخيرة، فى لحظة زمنية بعينها؛ فلِمَ لا يبتسمان لبعضهما البعض؟!. أحبُّ هذه اللفتة الإنسانية وأطبقَّها طوال حياتى. وأنا لست مريضة «توحد»، بل أحب جميع البشر. ولستُ أدرى إن كان ابنى قد ورث منى هذا الطبع، أم طيف التوحد جعله نقيًّا راقيًا محبًّا لجميع البشر!، وعجبًا: الابتسامُ فى وجوه الناس جريمةٌ فى قريتنا الظالمة!، جّرب أن تبتسم للمارّة وسوف يرمقونك بتوجّس! ابتسم لرجلٍ، سيُسىء فهمك!. ابتسم لامرأةٍ ستصرخ بأنك متحرش!. دعك من الرجال والنساء؛ وامنح ابتساماتك للأطفال، فهم ملائكة الله على الأرض. ولا تندهش إن لم يرد لك الأطفالُ ابتسامتك!، ذاك أن أهلهم قد علّموهم أن البشرَ ذئابٌ تخطفُ الصغار. أمرٌ محزن أننا قد شوّهنا «الكود الإنسانى» الفطرى لدينا على هذا النحو القاسى. ابنى المتهم «عمر» هو ابن الفطرة السوية الطيبة كما خلقها الله، فدعونا نتعلم منه.

أيها العالَمُ الطيب الذى يُدينُ الابتسامَ ويُرحّبُ بالعبوس والشجار والتنمّر، لن أدافع عن ابنى الجميل، بل أرفعُ فى وجوهكم إصبعَ الاتهام. الدولةُ لا تقومُ بدورها الينبغى لتوعية الناس بأبناء «طيف التوحّد» Autism، أولئك الملائكة الذين يعيشون بيننا ونحن عاجزون عن استيعاب نقائهم وملائكيتهم وصفاء قلوبهم، تلك التى لا تعرفُ قوانيننا الهزلية مثل: «ابتسامك فى وجه مَن لا تعرف معناه بتعاكسه!». ياللمراهقة الفكرية!. أشيرُ بإصبع الاتهام فى وجه بعض برامج الإعلام الذى يهتم بالتفاهات بدلَ أن يقدّم التوعية بأبناء التوحد الذين يزداد عددُهم يومًا بعد يوم!. أرفعُ إصبعَ الاتهام فى وجوه آباء وأمهات أطفال التوحد الذين يخجلون من أبنائهم فيحبسونهم فى البيوت بدل أن يخرجوا بهم فى كل مكان، كما أفعلُ أنا مع ابنى «عمر» بكل فخر وفرح، فيزيدون من جهل المجتمع بهذا «المرض»، إن صحّ أن نسميه مرضًا، وهذا غير صحيح. إنما هو اضطرابٌ لم يستطع الطبُّ النفسى حتى اليوم معرفة سببه ولا علاجه. أرفعُ إصبعَ الاتهام فى وجه كل مَن قرأ ولم يهتم بنداء الكيميائى-الحيوى المصرى الكندى «رامز سعد» فى إنشاء «مدينة الأحلام» لرعاية المتوحدين، وسوف أحدثكم فى مقال قادم بالتفصيل عن هذا المشروع النبيل. أشيرُ بإصبع الاتهام فى وجوه المدارس «الاستثمارية» الخاصة بالمتوحدين، والتى لم أستطع إلحاقَ ابنى «عمر» بها لأن مصروفاتها تزيد على ١٥٠ ألف جنيه سنويًّا!!. وأرفعُ إصبعَ الاتهام فى وجه الحكومة المصرية التى لم تنشئ حتى اليوم مدرسة لأبناء التوحد بالمجان. ابتسم يا «عمر» فى وجه الحياة، ولا تعبأ بأبناء العبوس

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التهمة يبتسمون فى وجوه مَن لا يعرفون التهمة يبتسمون فى وجوه مَن لا يعرفون



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon