توقيت القاهرة المحلي 21:02:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«60 دقيقة».. القتلُ مرتين!

  مصر اليوم -

«60 دقيقة» القتلُ مرتين

بقلم - فاطمة ناعوت

بماذا تشعرُ المُتحرّشُ بها، والمُغتصَبةُ، والخاضعة للعنف الجسدى؟ لا أحدَ يعرفُ، سواها! خليطٌ مُرٌّ من المذلّة والانكسار والضِعة والعجز والخذلان وموات الغد. وبعد تلك التجربة المُرّة، تتفحّصُها العيونُ وتلوكُها الألسن وتُثرثرُ الشفاهُ حول: لماذا خرجت؟ وماذا كانت تلبس؟ فالحقُّ عليها دائمًا. الرجلُ معذورٌ، والمُدانةُ هي! لا تختلفُ المجتمعاتُ كثيرًا حول هذا النهج في التفكير، مهما أدانوا وشجبوا ورفعوا الشعاراتِ وأطلقوا المبادرات وجعجعتِ الحناجرُ وسُنَّتِ القوانينُ وغُلّظتِ العقوبات، يظلُّ المجتمعُ «يبحثُ عن ألف مبرر للرجل، ويُفتّشُ عن خطأ واحد للمرأة». وتُدركُ الصبايا والنساءُ هذا بحدسهن وفطرتهن، فيلجأن إلى «الخرس» وتجرّع المرارة في صمت الصاغرين. فلا تبوحُ الضحيةُ بما جرى لها، لا للشرطة ولا للمجتمع ولا حتى للأم والأب خوفًا من اللوم والتقريع والعنف الذي قد يصلُ إلى القتل! قتلُ الضحية لا قتلُ الجانى!.

مسلسل مهم شاهدتُه على منصّة «شاهد» يناقشُ تلك الظواهرَ المجتمعية الخطيرة التي تجعلُ الأنثى «طريدةً» في مرمى قناص قاسٍ بلا عقل، عفوًا، بل ذى عقل «داهية» يختارُ ضحاياه بدقّة، بحيث تمنعهن ظروفُهن من فضح جرائمه، فهذه زوجة لرجل متعصب متحجّر لن يتعاطف مع زوجته المُغتصبة، فتلجأ إلى الانتحار، وهذه فتاة مراهقة تخافُ الأبَ المتسلط الذي لن يرحم ابنتَه المغدورة تحرّشًا، وهذه طالبةٌ فقيرة يلملمُ والدُها المطحونُ القروشَ من أجل تعليمها، وهذه فتاةٌ جهول ضعيفة الشخصية لا تدرى عن حقوقها شيئًا، وغيرهن ممن يخضعن لمقاصل الخوف والجهل والفقر، عطفًا على المقصلة الكبرى وهى: «إدانة المجتمع الذكورى برجاله ونسائه!»، فيستسلمن للخنوع والصمت القسرى.

عنوان المسلسل موحٍ ومبدع: «60 دقيقة»، وهى مدّة جلسة العلاج التي يمنحها الطبيبُ النفسى المرموق الوسيم «أدهم نورالدين»، لمريضاته. مريضاتُه اللواتى يذهبن إليه ليعالجهن من مشاكل نفسية طارئة مثل الاكتئاب أو ضعف الثقة بالنفس، فيخرجن من عيادته محطّمات ذليلات بعدما يتحرش بهنّ الطبيب «السايكو» بوحشية الساديين. وحين يصرخن وجعًا، يهمس في آذانهن بأن «الحب والألم صُنوان»Love is Pain

ونكتشف مع نهاية الحلقات أن هذا الطبيب المريض كان ضحية لوالدته التي غرست فيه جنون العظمة، وعززت قسوته على الطير والحيوانات حين كان طفلا، وعلى الخادمات البائسات حين كان مراهقًا، وعلى المريضات حين صار طبيبًا شهيرًا. علّمته مبكرًا فن «إخفاء جرائمه»، حين دأبت على مداراة جرائمه الصغيرة طفلا، وأجهضت محاولات أبيه لعلاجه النفسى، فتعاظمت جرائمُه مع الأيام حين شبَّ وصار يتصيد ضحاياه من النساء الصامتات. وحين تكتشفُ زوجتُه فظاعاته وجرائمه، وتعجز عن دفع الضحايا للكلام، تقتله وتخضع للمحاكمة ثم الإعدام، رغم المرافعة القوية للمحامية الحقوقية التي تدعمها.

الجديد في هذا العمل الدرامى الجميل، على سوداويته، هو الطلب الأخير للزوجة القاتلة قبل تنفيذ الإعدام! طلبت الطلاق من زوجها المقتول! فهى ترفض اقتران اسمها بمتحرّش، حتى بعد موته وموتها. ترفضُ لقاءه بعد الموت لا في جنّة ولا في نار. فقد كان يقول لها، في لحظات الصفو، إن المرأة تحظى بلقاء زوجها في الحياة الأخرى بعد الموت، وهذا ما لم ترده الزوجة. الزوجةُ بطلبها الطلاق من زوجها الميت، كأنما تريد قتله مرة أخرى. فالإقصاءُ لونٌ من القتل. ولو لم تقتله هي، وقتله غيرُها، ولو ماتَ ميتةً طبيعية، لطلبت الطلب ذاته: الطلاق!.

تلك هي «لؤلؤة» المسلسل الجميل الذي كتبه المبدع والسيناريست «محمد هشام عُبيّة» وأخرجته على نحو شديد الاحترافية «مريم أحمدى». فكرة طازجة من خارج الصندوق، لم يُتطرق إليها من قبل. فالزواجُ هو أن يقبل اثنان هذا الرباط المقدس وفق شروط كثيرة أولُّها وأهمُّها: «الوعى بشخصية الآخر». فماذا لو اكتشف أحدهما أنه لم يكن واعيًا بشخصية مَن تزوج، وأنه خضع للخداع؟ يطلب الطلاق! فماذا لو جاء الاكتشافُ بعد موت الطرف المخادع؟! يسقط حقه في الطلاق، بسبب وفاة الطرف الآخر! وماذا لو اكتشفت زوجةٌ بعد وفاة زوجها أنه كان جاسوسًا خائنًا لوطنه؟! أليس من حقّها طلب الطلاق منه «ميتًا»، لكى تتبرأ من لقب: «أرمل الجاسوس»؟! هذه زوجةٌ قتلت زوجها المتحرش لكى توقفَ سلسالَ انتهاكاته لبنات الناس، واعترفت بجريمتها ولم تراوغ في التحقيقات، وخضعت للعقوبة بنفس راضية، وكان طلبُها الأوحد قبل إعدامها هو «فك قيد ارتباطها بمتحرش سادى».

رُفض طلبُها بالطبع لأن القانون لم يبتكر مادة تدعمه، لكن الفكرة تظلُّ صفعةً على وجوه المتحرشين الشوهاء. تحية لجميع من شاركوا في هذا العمل الدرامى المهم: الجميلات: «سوسن بدر»، «شيرين رضا»، «ياسمين رئيس»، الفنان السورى «محمود نصر»، الفنان «خالد كمال»، وكامل طاقم العمل الجميل. «ستون دقيقة» تمرُّ كما الدهر على المُغتصبَة، وتمرُّ خاطفةً على مَن تنتظرُ حتفَها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«60 دقيقة» القتلُ مرتين «60 دقيقة» القتلُ مرتين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon