بقلم - فاطمة ناعوت
بالأمس اتصلت بى إذاعة «دوتش فيله» الألمانية «Deutsche Welle» تسألنى: «ما الفارقُ بين ثورة يناير ٢٠١١، وثورة يونيو ٢٠١٣؟»، فأجبتُها بأن الأولى كانت محاولةً لتحريك المياه الراكدة فى وطن لا يتقدم ولا يسعى لحلّ المشاكل التى راحت تتراكمُ على كاهله وتتفاقم عامًا بعد عام؛ حتى بات المواطنُ المصرى يشعرُ بأن تلك المُعثرات من طبائع الأمور ولا مجال لإصلاحها، أما الثانية فكانت ثورة حياة أو موت من أجل استعادة وطن مسروق وهُوية تتهاوى ومجتمع يتحلّل، وشتان بين الحالين. ثورة يناير كانت محاولة للعيش بشكل أفضل، أما ثورة يونيو فكانت محاولة للحياة أصلا، ونحن نرى بأعيننا مصرَ تحتضرُ والوطنَ يغيب.
بمناسبة تزامن «ثورة يونيو الخالدة» مع «عيد الأضحى المبارك» دعونى أحدثكم عن سيدتين تحملان نفس اللقب: «أم أيمن»، الأولى من الصحابيات المقرّبات من النبى (ص)، والثانية من جماعة الإخوان التى حاولت هدم مصر. الأولى هى الصحابية «بركة بنت ثعلبة» الحبشية، حاضنة الرسول ومُربيّته فى طفولته، والتى ظلّت ملازمة له طيلة حياته حتى توفاه الله. وكان يقول عنها: «أم أيمن أمى، بعد أمى».
أما الثانية فهى القيادية الإخوانية «عزة الجرف» ولقبها «أم أيمن». كانت عضوًا فى البرلمان الإخوانى واشتهرت بتشفّيها العلنى فى استشهاد سبعة عشر جنديًّا شريفًا من أبناء قواتنا المسلحة على يد الإرهابيين فى شمال سيناء، وأعلنت كذلك فرحتها بتصفية النائب العام بيد الإخوان الآثمة. ولمن نسى فقد كان اغتيالُ المستشار «هشام بركات» النائب العام، يوم ٢٩ يونيو ٢٠١٥، واحدة من جرائم تصفية الحساب التى ارتكبها الإخوانُ بعد إسقاطهم عن حكم مصر فى يونيو ٢٠١٣، وانتقاما إرهابيًّا إثر تنفيذ حكم الإعدام فى ستة من العناصر الإرهابية من أذرع «داعش» بعد دعوة «ولاية سيناء». فما كان من «أم أيمن» إلا أن كتبت تغريدةً أبدت فيها فرحتها باغتيال النائب العام وتشفّيها فى استشهاد جنودنا الأبرار!، «أيخونُ إنسانٌ بلادَه؟! إن خانَ معنى أن يكونْ، فكيف يمكنُ أن يكونْ؟!».
أتذكّرُ حلقة تليفزيونية جمعتنى بالسيدة «أم أيمن» فى ضيافة الإعلامى «طونى خليفة»، فى برنامج «أجرأ كلام»، وكانت من أجرأ وأطرف حلقات هذا البرنامج وأكثرها كوميدية ومرحًا. سألها «طونى خليفة» هل تقبل أن يتزوج «أبو أيمن» عليها بامرأة ثانية؟، فقالت بحسم: «ميقدرش. مش هيلاقى واحدة زيى»!. وحين أخبرتُها برأى عرّابها وعرّاب الإخوان «حسن البنا» فى تعدد الزوجات، فوجئتُ بأنها لا تعرفُ شيئًا عن آراء هذا الرجل الذى يتبعونه حذوَ الحافر!.
فى مجلة «الإخوان المسلمون» العدد ١٣ سنة ١٩٤٤، كتب «حسن البنا»: «إن خيرًا للمرأة وأقرب إلى العدالة الاجتماعية والإنصاف فى المجتمع أن تستمتع كلُّ زوجة بربع رجل أو ثلثه أو نصفه من أن تستمتع زوجةٌ واحدة برجل كامل وإلى جانبها واحدة أو اثنتان أو ثلاث لا يجدن شيئًا»!. تصوروا نظرته للزواج بأنه «استمتاع»!، وليس حياةً وشراكةً ومودة ورحمة!، بُهتَتْ «أم أيمن» حين قرأتُ عليها ما سبق، ثم قالت من فورها: «ربنا محلل ده، ها تعترضى على كلام ربنا؟»، ونسيتْ أنها مَن اعترض قبل دقيقة؛ بحجة أن «أبا أيمن» لن يجد مثلها!!.
واكتشفتُ أيضًا أنها لا تعرف رأى «حسن البنا» فى خروج المرأة من بيتها للانتخاب!، أخبرتُها أن «حسن البنا» كتب فى مجلة «الإخوان المسلمون» عدد يوليو ١٩٤٧: «منحُ المرأة حقَّ الانتخاب إنما هو ثورةٌ على الإسلام وثورة على الإنسانية»!، وسألتُها: تُرى ماذا كان سيقول «حسن البنا» إن علم أن «أم أيمن» دخلت البرلمان وتجادل فى البرامج التليفزيونية ولها صفحة على تويتر تشمتُ عليها فى الموتى؟!، بُهتت «أم أيمن» من جديد، ثم بررت تويترها وبرلمانيتها قائلة: «أنا نموذج المرأة المصرية، ونموذج المرأة العربية، ونموذج المرأة المسلمة». ياللتواضع!.
لم أقل لها: «تواضعى يا (أم أيمن)؛ لأن مَن تواضعَ لله رفعَه»، ولم أسألها كيف لنموذج المرأة المصرية المسلمة أن تتشفى فى مقتل جنود وطنها؟!، ولم أسألها كيف تكون إخوانية وتجهل آراء مولاها «حسن البنا»؟!، إنما أسألها سؤالا واحدًا لا غير:
هل سمعتْ «أم أيمن» عن المصرية كابتن طيار «لطيفة نادى»، أو العالمة النابغة «سميرة موسى»، أو التربوية «نبوية موسى»، أو الحقوقية «هدى شعراوى»، أو القاضية «تهانى الجبالى»، أو المستشارة السفيرة «فايزة أبو النجا»، أو عالمة الفلك السورية «مريم الإسطرلابية»، أو عالمة الجبر والهندسة العراقية «ستيتة البغدادية»، أو الفيلسوفة السكندرية «هيباتيا» عالمة الفيزياء، وغيرهن الكثيرات الكثيرات؟!. أغلبُ الظن لو سمعت عنهن ما تجاسرت وقالت عن نفسها إنها «النموذج المُحتذَى للمرأة المصرية والعربية والمسلمة».. كل ٣٠ يونيو وأنتم بخير، كل عام ومصرُّ حرّة. وتحيا مصر