توقيت القاهرة المحلي 08:12:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عيد الحب.. في زمن الحرب!

  مصر اليوم -

عيد الحب في زمن الحرب

بقلم - فاطمة ناعوت

كانت الباخرة تتهادى على صفحة النيل، وكان شبابُ الخريجين يغنون ترانيم تدعو للمحبة والسلام ووقف العنف ضدّ أبناء غزة. «كنيسة العذراء» في شبرا الخيمة قررت أن تحتفل بالخريجين الجدد على متن باخرة نيلية واختارت يوم «عيد الحب المصرى» ٤ نوفمبر تحديدًا لكى تُرسل رسالة سلام إلى العالم، الذي نسى أن العنف يهدم الإنسانية التي لم يعد بوسعها أن تتنفس. دعَونى أنا وصغيرى «عمر» لنشاركهم هذه الرحلة النيلية. رحتُ أتأملُ ابنى يحمل باقة الزهور مُطرقًا، وشباب الخريجين، وأتساءلُ: «كيف سيبدأون حياتهم العملية وسط كل هذا العنف الذي يجتاح العالم؟!». مرَّ «عيدُ الحب» دون أن يشعر أحدٌ لأن القلوب حزينةٌ مُثقلةٌ بالوجع وعدم الثقة في أن غدًا مشرقًا سوف يأتى.

في ٤ نوفمبر عام ١٩٨٨، شاهد الأستاذ «مصطفى أمين» جنازًا يمرّ بحىّ السيدة زينب، ولا يسير وراء النعش إلا ثلاثةُ رجال!، فاندهش الأستاذُ، وسأل عن المتوفى وسرّ الجناز الشاغر من المُشيعين!، فأخبروه أن الراحلَ رجلٌ في السبعين، عاش عمرَه كلَّه دون أن يودّ الناسَ، فلم يحبّه الناسُ، فالحبُّ كما تعلمون «عُملةٌ» دوّارة. إن أنفقتها عادت إليك. هنا قرّر الصحفى الكبير أن يقترح في عموده الشهير: «فكرة» بجريدة الأخبار، أن يجعل ذلك اليوم «عيدًا للحب»، لكى نتذكّر قيمة الحب. والحبّ هنا هو الحبّ الإنسانى الذي يُعطى دون أن يفكر في المقابل. وهو ما نفتقده بكل أسف في عالمنا الراهن.

واليومَ، وبعد مرور عقود على إطلاق العيد المصرى، أتساءلُ إن كان يجوز أن ننطق كلمة «حب»، دون أن نشعرَ بالخجل، وسط المذابح والدماء التي تُغرق العالم؟!، هل مازال بوسعنا أن ننعش في قلوب الناس تلك الملكة السماوية التي منحنا اللهُ إياها، ولكننا كفرنا بها حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من ويل ودمار؟!، هل مازال بوسعنا أن نقول «كلمة طيبة»؟!.

تذكرتُ الآن هذه الحكاية من الفولكلور القديم. أعلن الملكُ الفارسى «أنوشيوان» عن جائزة قدرها ٤٠٠ دينار لمَن يقول: «كلمة طيبة». ثم راح يجول في أرجاء مملكته تصحبه حاشيته، فشاهد فلاحًا عجوزًا تخطّى التسعين من عمره، يغرس شجرة زيتون، فسأله الملكُ متعجّبًا: «لماذا تغرس شجرةَ زيتون لن تأكل منها لأنها تحتاج إلى عشرين عامًا حتى تنمو وتثمر، وأنت طاعنٌ في العمر، ودنا أجلُك؟!»، فأجاب الفلاحُ العجوز: «السابقون زرعوا؛ ونحن حصدنا. كذلك نزرع نحن لكى يحصد اللاحقون»، فقال الملكُ: «هذه كلمة طيبة»، وأمر له بأربعمائة دينار. أخذها العجوزُ وابتسم، فسأله الملكُ: «لِمَ ابتسمت؟»، فأجاب الفلاحُ: «شجرةُ الزيتون تنمو بعد عشرين عامًا كما قلتَ جلالتك، ونمَت شجرتى قبل مولدها»، فقال الملك: «أحسنت!، وهذه ٤٠٠ دينار أخرى لقاء هذه الكلمة الطيبة»، فأخذها الفلاح، وابتسم مجدّدًا، فسأله الملكُ: «ولِمَ هذه الابتسامة الجديدة؟»، فأجاب الفلاحُ: «شجرة الزيتون تثمر مرةً في العام، وأثمرت شجرتى مرتين!»، فأمر له الملكُ بأربعمائة دينار أخرى، ثم مضى مسرعًا، بعدما ألقى السلامَ على الفلاح، فسأله رئيسُ الجند: «لماذا مضيتَ قبل اكتمال الحديث يا مولاى؟»، فأجاب الملكُ: «إن جلستُ إلى هذا الفلاح حتى الصباح، لنفدت خزائنُ الأموال، قبل أن تنفد كلماتُ العجوز الطيبة».

أن تحبّ أقرباءك وذويك، فأنت تشبه القطة التي تحبُّ أولادها، والأسد الذي يحنو على أسرته، ثم يفترس ما يشتهى من أجساد سواها. لكن أن تحبّ بشرًا لا تعرفهم، فأنت تستحق لقب: «إنسان». في هذا يقول «هنرى برجسون»: «الإنسانُ العادى يميلُ إلى موافقة الجماعة التي ينتمى إليها. أما العبقرى فيشعر أنه ينتمى إلى البشرية جمعاء. ولذا فهو يخترق حدودَ الجماعة التي نشأ فيها ثم يخاطب الإنسانية كلها بلغة الحب».

«الكلمة الطيبة صدقة»، كما ورد في الحديث الشريف. إنها «الكلمة الطيبة» التي قتلناها في أفواهنا، لنطلق ألسنَ التباغض والتلاعن والتكفير، متناسين ما ذكره القرآنُ الكريم: «ألمْ ترَ كيف ضرب اللهُ مثلًا كلمةً طيبة كشجرةٍ طيبة أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء تؤتى أُكُلَها كلَّ حين بإذن ربّها ويضربُ اللهُ الأمثالَ للناس لعلّهم يتذكرون»، لكن الأشرار «لا يتذكرون»، وتجتاحهم شهوةُ الدم والقتل، فيغمضون أعينَهم عن أوامر الله. ليتنا نوقنُ أن «الحبَّ» هو طوق النجاة الأخير للبشرية. ليتنا نتذكر أن الله هو الحب المطلق، وأننا إذ نحبُّ الآخرين فنحن نتشبث بقبس من نور الله.

أتمنى أن تختفى الحروبُ من العالم، وأن تذوب كلمةُ «عنف» بين سطور معاجمنا. أتمنى أن تُوجَّه المليارات التي يُصنع بها السلاح في العالم إلى بناء مدارس وحدائق ومشافٍ حتى لا يتبقى في العالم طفلٌ مريضٌ أو حزينٌ أو جاهل. آمين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيد الحب في زمن الحرب عيد الحب في زمن الحرب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon