بقلم - فاطمة ناعوت
رحمَ اللهُ «نيّرة أشرف عبدالقادر»، طالبة جامعة المنصورة، الفتاة الجميلة التى قتلها زميلُها لأنها صدّت شغفَه، فذبحَها فى وضح النهار، لتنزفَ دماؤها من قلوب المصريين جميعًا، بل من قلوب العالمين، بعدما صارت قضية رأى عام هزّت أركان الدنيا. اللهم اربط بالصبر الجميل والاحتساب على قلوب أبويها وذويها وأصدقائها، وبعد..
كعادتهم، بعض «أدعياء الدين»، لا يظهرون إلا حين تظهر «المرأة»، ويتوارون حين تظهر الكوارثُ والجوائحُ والفقرُ والمرضُ وحروبُ العالم وقضايا الوطن. ثمّة ارتباطٌ شرطىٌّ عجيب بين ظهورهم و«جسد المرأة». لم يلفت نظرَهم فى تلك الفاجعة المدوية التى وخزت قلبَ مصر إلا أن الفتاة الصريعة لم تكن «محجبة»، وأرجعوا سبب القتل إلى ذلك!، ويشاءُ القدرُ أن يردَّ عليهم بعد يومين من استشهاد «نيرة» بجريمةٍ شنعاءَ مماثلة فى الأردن الشقيق، راحت ضحيتها الطالبةُ «إيمان إرشيد» التى صرعها زميلُها لنفس السبب: إذْ رفضتْ شغفَه بها، والفارقُ الوحيد بين الضحيتين أن الشهيدة الأردنية كانت «محجبة». وكأن القدرَ يودُّ أن يُخرسَ ألسنَ المتنطعين على الدين بأن الجريمة «عمياء» لا تُميّز خصلاتِ الضحية، بل يسكنُ التمييزُ أدمغةَ أدعياء الدين. قال أحد أولئك المتنطعين على الدين، والدين منهم براء: (السبب فى الجريمة هو «تسليعُ المرأة وتشييئُها» فى الدراما والأفلام)!، و«التسليعُ» هو جعلُ الإنسانِ «سلعةً» تُباعُ وتُشترى، و«التشيىءُ» هو جعلُ الإنسانِ «شيئًا»، وليس كائنًا عاقلًا ذا إرادة. وعكس «التشيىء» هو «الأنسنة»، وهو مصطلحٌ أدبى وتيمةٌ شعرية يستخدمها الشعراءُ حين يضفون على الأشياء الجامدة صفات «الإنسان» لمنحه الحياة، فنقول: القمر «يغفو»، والشمسُ «تضحك»، والأشجار «ترقص»، والزهور «تغنى»، والليلُ «يتنفس»... إلخ.
وهنا يأتى السؤال: (مَن الذى يُسلِّعُ المرأةَ، ويجعلها شيئًا رخيصًا يُباعُ ويُشترى؟)، الدراما والفنون القيّمة التى تحثُّ المرأةَ على التفوق والعمل وإثبات الذات والاعتماد على نفسها ومواجهة المجتمع بصلابة وعزّة نفس، أم المتطرفون والإرهابيون الذين شاهدناهم بأعيننا يبيعون النساء سبايا فى أسواق النخاسة فى كل بقعة احتلتها داعش وبوكو حرام وطالبان وغيرها من جماعات التكفير والإذلال وقتل الحياة وتشويه الدين؟!. مَن الذى يُسلِّعُ المرأة ويُهينُ إنسانيتَها؟ الدراما كما فى مسلسل «إلا أنا»، والتى جعلت الفتاة تواجه مشاكلها المجتمعية والنفسية والمرضية لتصمد وتنجح، أم الدعِىّ الذى أجاز التحرش والتعدى على غير المحجبةمهما كان دينها ولستُ أدرى كيف لم يتم توقيف هذا الشخص بعد هذا التصريح المخيف الذى وضعه فى خانة «الفتوى»، بما أنه يخدعُ الناس بإيهامهم أنه أحد ألسن الأزهر الشريف، حاشاه، وأحد المتحدثين باسمه، رغم تبرؤ الأزهر الشريف منه علانية، وكذلك منعته هيئة الأوقاف من اعتلاء المنابر والظهور على أى فضائية مصرية، فى خطوة محمودة نشكرهم عليها. لكنه مازال، وسوف يظل، يبثُّ سمومَه على صفحته الشخصية وقناة يوتيوب، التى يتابعها بضعة ملايين من شباب مصر، غير المسلّح بالعلم والمعرفة الدينية الصلبة، فيصدقون ما يقول من ترهاتٍ تُشوّه ديننا العظيم، ويهللون له. وربما خرج من بينهم مَن يتحرش بغير المحجبة أو مَن يقتل فتاةً لم تبادله حبًّا بحب، مادامت المرأةُ «شيئًا» مملوكًا للرجل لا يحق لها الاختيار ولا تجوز لها الإرادة، كما أوهمهم عرّابُهم، الذى وصف المرأة «بالسيارة التى تُركب»!، فمَن الذى يُسلِّع المرأةَ ويجعلها شيئًا؟. الدراما الراقية، أم الشيخ الذى قال مخاطبًا سيدات مصر: (اخرجى «قفّة»، إن كنتى عاوزة تعيشى!، لو خرجتى وشعرك على الخدود يهفهف، هاتدّبحى!!!)؟ مَن يُسلّع المرأة؟!، الدراما والأفلام والفن التشكيلى والموسيقى والباليه والأوبرا والمسرح والقوى الناعمة التى تُثقِّف النشء، أم الشيخ الذى أفتى بأن الخروج من الضائقة الاقتصادية جدُّ يسيرٌ عن طريق غزو الدول الأجنبية لكى نسترِقَّ نساءها ورجالها وأطفالها ونأخذهم سبايا، ننكحُ ما يطيب لنا منهم، وحين نضجر منهم نبيعهم، فنجنى الأموال؟!. قال هذا بالحرف الواحد، والفيديو موجود بكل أسف على يوتيوب مازال يسمعه النشءُ، فتتلوثُ مداركُهم ويخرج من بينهم مع مقبل الأيام إرهابيون وسفاحون وقتلة ومتحرشون.
«الجمهورية الجديدة» تسيرُ بخطًى واثقة ومشهودة نحو التحقق والعلو. قضينا على الإرهاب، والحمد لله، فى شمال سيناء وفى سائر أرجاء الوطن العزيز، لكن مازال أمامنا مشوارٌ مهم وحتمى لأجل انتزاع «نصل الإرهاب الفكرى» المتغلغل فى عقل الوطن.