توقيت القاهرة المحلي 15:23:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تمّ البدر بدري... من «دفتر المحبة» (٧)

  مصر اليوم -

تمّ البدر بدري من «دفتر المحبة» ٧

بقلم - فاطمة ناعوت

سرُّ التمرة

ها هو رمضانُ يُجمّعُ طيّباتِه ويوشكُ أن يحملَ مِخلاتَه ليمضى، مُلوِّحًا لنا بالسلام حتى يهلَّ هلالُه العام القادم. وخلال الشهر الكريم نشرتُ أوراقًا من «دفتر المحبة»، وهى الحكايا التى يرسلها لى الشرفاءُ من دفاتر ذكرياتهم حول المحبة التى تربطُ بين أبناء شعب مصر الطيب، ما يُفسّرُ للتاريخ لماذا لم تنجح قوى الشرّ فى غرس بذور الفتن فى أرضنا الطيبة، وظلّ شعبُنا واحدًا عصيًّا على التقسيم والشتات. ونفدت أيامُ الشهر ولا تنفدُ أوارقُ «كتاب المحبة» غزيرِ الورق. وأختتمُ مقالاتِ رمضان بورقة «التمرة» التى نكسرُ بها صيامَنا.

ما سرُّ التمرة؟. التمرةُ هى ابنةُ النخلة. والنخلةُ إن بُذِرَت بذرتُها اليومَ، تُحصَدُ ثمارُها البلحاتُ بعد سنواتٍ طوال. لهذا قد يزرعها زارعٌ، ويموتُ عنها قبل أن يرى ثمرَها. هو يدركُ ذلك، ومع هذا يتعبُ فى زرعها ليَتذوّقَ ثمرَها سواه. وفى المأثور القديم قرأنا عن فلاح جاوز الثمانين، رآه المارةُ يغرسُ فى الطمى فسيلةَ نخلة، فتعجّبوا وسألوه: «هل ترجو أن تشهدَ ثمرةَ بذرتك أيها الشيخ؟!»، فابتسم قائلًا: «زرعوا فأكلنا، ونزرعُ ليأكلَ غيرُنا». لهذا فالتمرةُ هى «الرِهانُ على الآخر». هى إنكارُ الذات ومحبة الآخر، وقتل الأثَرَة انتصارًا للإيثار. نتعبُ ولا نجنى من تعبنا إلا بهجةَ الآخرين. بهذا المعنى نفهمُ الحديثَ الشريف: «اتقوا النارَ ولو بشِقِّ تمرة، فمَن لم يجد، فبكلمةٍ طيبة»، فالتمرةُ إذن ليست فقط المعادلَ الموضوعى للكلمة الطيبة، بل هى فى ذاتِها «كلمةٌ طيبة» يقولها المرءُ للناس بقلبه وفعله دون قول. لهذا يقدّمُ عربُ الخليج التمورَ فى محافلهم؛ إشارةً للحفاوة العملية بالضيف، دون ثرثرةٍ ولا فائض قول. وبهذا المعنى نفسه نشهد عبقرية المصريين الخالدة فى أن يقف شبابٌ على نواصى الطرقات فى شهر رمضان وقت غروب الشمس ليمنحوا السابلة، ممن فاجأهم أذانُ المغرب خارج بيوتهم، بضع تمراتٍ وكأسَ ماء ليكسروا صيامَهم، فكأنما يقولون لهم، دون كلام: «نحبّكم».

ومع الساعات الأخيرة من شهر رمضان المعظم، أعتزُّ بخصوصية مصرَ وعبقريتها، التى تكمن فى أن الكثير من أولئك الشباب الواقفين بأكياس التمر وكؤوس الماء ليُفطِروا ظِماء المسلمين هم من شباب مصر المسيحىّ. تلك واحدةٌ من إشراقات مصرَ الجميلة، التى لن تجدها إلا فى أرض طِيبة الخالدة، التى أخفق الغزاةُ فى فصم وحدة شعبها على مدار الزمان والغزوات الفكرية. تلك نعمةُ النِعم التى يجب أن نحافظ عليها ونحميها من حقد الحاقدين وكيد الكائدين. لأن صخرةَ أماننا هى وحدتُنا.

فقط فى مصرَ يحملُ الشبابُ أكياسًا بلاستيكية صغيرة مكتوبًا عليها: «صومًا مقبولًا وإفطارًا شهيًّا.. مع تحيات كنيسة كذا». فى تلك الكلمات القليلة تختبئ قصائدُ الوجود. تلك هى أعلى مراتب الإنسانية والسمو فوق الفروقات، وصولًا إلى مرتبة «الإنسان»، وهو الهدف الأولُ للأديان. أن نسموَ ونعلوَ حتى نحصل على لقب: «إنسان»، وليس مجرد كائن حىّ يعيش ويتناسل ويموت. أدعو الله فى ختام هذا الشهر الكريم ألا تختفى هذه الظاهرة المصرية الطيبة أبدًا من أرضنا الطيبة، وأن تظل شجرة المحبة الوارفة تظلل وطننا العظيم.

سوف يظل المسيحيون فى مصر يعلقون فوانيسَ رمضان فى الشوارع احتفالًا بالشهر المعظم، ويخبزون كعك عيد الفطر المبارك من أجلنا، ويقدم شبابُهم التمرَ والماء لصائمينا على نواصى الطرقات؛ لأن: «كأس ماء بارد لا يضيعُ أجرُه». وسوف نظل نجدل معهم عيدانَ السعف فى «آحاد السعف» ونزين معهم شجرات الكريسماس فى نهايات الأعوام وغُررها، ونطهو القلقاس الأخضر فى غطاسهم ونفرح معهم فى أعيادهم. لأن فلسفة الأعياد هى جمع الناس على التوادّ والرحمة.

وهذا «عيد الفطر» المبارك، يتلوه «عيد القيامة» المجيد. كل عام ومصرُ هى مصرُ الطيبة التى لا تعرف إلا الحبَّ والسلام والمودة والقلوب الحلوة النظيفة، كل عام ومصرُ الحضارة لم تدخل معجمَها، ولن تدخلَه بإذن الله مفرداتُ الطائفية والإقصاء. وإنّا فى رباطٍ إلى يوم الدين. آمين.

■ ■ ■

من نُثار خواطرى:

إن فتحتِ الطفلةُ

خزانةَ ملابسِها

فوجدتْ أرجوحةً

تطيرُ نحو السماءِ

حتى تمَسَّ القمرَ

ثم تعودَ،

ومن حقيبة المدرسة

تُطِلُّ

أشجارُ وردٍ

ونخيلُ تمرٍ

وعقودُ ياسمينَ

حينَئذٍ

تعرفُ الطفلةُ

أن الله

يُنصِتُ إلى أحلامِها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تمّ البدر بدري من «دفتر المحبة» ٧ تمّ البدر بدري من «دفتر المحبة» ٧



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 13:18 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
  مصر اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon