توقيت القاهرة المحلي 10:37:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى حب العذراء مريم

  مصر اليوم -

فى حب العذراء مريم

بقلم: فاطمة ناعوت

اليومَ عيدُ السيدة العذراء، عليها وعلى ابنها السلام. اليومَ يفطرُ أشقاؤنا المسيحيون بعدما صاموا خمسة عشر يومًا، تقبّل اللهُ صيامَهم وصلواتِهم ونجواهم ودعاءَهم. السيدةُ مريم، العذراءُ البتول، وابنُها الكريم كلمةُ الله، آيتان من المعجزات القدسية فى الحياة. وعلّها السيدة الوحيدة التى أجمع على حبِّها وتقدير مكانتها والتبّرك باسمها جميعُ البشر على اختلاف أعراقهم وعقائدهم. وهى السيدة الوحيدة التى خصّها القرآنُ الكريم بسورة كاملة باسمها: «سورة مريم».

فى حوار جميل أُجرى معه بالأمس، قال الأبُ «موسى إبراهيم»، المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية: إن المسلمين والمسيحيين من أقباط مصر تربطهم علاقة قوية بالسيدة العذراء مريم، وإن هناك روابط تاريخية قديمة تجمع المصريين على حبّ السيدة مريم عليها السلام. وبعد فترة الصيام التى تمتد من يوم ٧ أغسطس حتى ٢٢ منه، يتشارك المصريون كافة، مسلمين ومسيحيين، فى الاحتفال بذكرى صعود السيدة مريم إلى السماء، نظرًا لمكانتها الرفيعة فى قلوب المسلمين. والشاهد أن الأعياد والمناسبات الدينية تكون فرصة جميلة لإظهار قوة ومتانة رباط الوحدة الوطنية فى نسيج الوطن الطيب مصر. فالمجتمع المصرى ذو طابع «عائلى»، تغلب عليه سمات الود والمحبة والمؤازرة. فالجارُ بالنسبة للمصرى بمثابة الشقيق، الذى يقف معه فى لحظات الفرح ولحظات الحزن، على غير ما نرى فى المجتمعات الغربية مثلا.

وبالفعل، كما قال الأبُ «موسى إبراهيم»، فإن للسيدة العذراء مريم، أطهر نساء العالمين، مكانةً رفيعة فى قلوبنا نحن المسلمين، وفى كتابنا القرآن الكريم دون شك. والحقُّ أن العذراء مريم، عليها وعلى ابنها السلام، لها شديدُ الخصوصية وبالغُ الاستثناء من بين بَنى الإنسان. فتلك البتول المُصطفاة، ذات الحُسن الملائكى، رمزٌ «عابرٌ للأديان»، لا تخصُّ عقيدةً دون أخرى. بل تَعبُرُ فوق مظلاّت الأديان لتستقرَّ رمزًا أبديًّا فى قلب الإنسانية الخضراء. رمزٌ للأمومة التى لا تُشبهُها أمومةٌ. أمومةٌ إعجازية من دون دنس أرضىّ. أمومةٌ حزينةٌ، وأمومة فرِحَة. فى البَدء: وجَلَتْ وجفلتْ حين علمت أن جنينًا ينمو فى خِصرها البتولىّ النحيل، من دون رجل. وفى المنتهى: قرّتْ عينًا حين أدركت أنها تحملُ النورَ ساطعًا بأمر الله. شاع فى قلبها الفرحُ، بعد الوجل والخوف، حين علمت أن اللؤلؤةَ التى تتكوّن فى بطنها الآن سوف تكون هديتَها للعالم، وهديةَ السماء للأرض الشقيّة بالخطايا والحَزَن. عذراءُ نقيةٌ سوف تُقدّمُ للعالم صبيًّا «وجيهًا»، كما وصفه القرآن: «إذْ قالتِ الملائكةُ يا مريمُ إن الَله يُبشِّرُكِ بكلمةٍ منه اسمُه المسيحُ عيسى ابن مريم وجيهًا فى الدنيا والآخرة ومن المُقرّبين» (آل عمران/٤٥)، وأنه سوف يغدو شابًّا وسيمًا «يجولُ يصنع خيرًا»، يمسحُ على الجباه العليلة فيُبرئ الأكمهَ والأبرص وينفخ الروحَ فى الميْتَة فتحيا بأمر الله. «وأُبرئُ الأكمَه والأبرصَ وأُحيى الموتى بإذن الله» (آل عمران/ ٤٩). ثم هى أمومةٌ مفجوعةٌ ثكلَى، سوف ترى وحيدَها الجميل وقد حكم الأشقياءُ عليه بالموت، وبعدُ لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره، وما تزوّج ليتركَ لها ما تقرُّ بها عيناها من بعده. لكنّها تعلم أنه حىّ علىّ فى السماء، سواءً صُلبَ وقام من مواته بعد أيامٍ ثلاثة كما فى الأدبيات المسيحية، أو رُفع من الصليب حيًّا إلى السماء كما فى أدبياتنا الإسلامية: «إذا قال اللهُ إنّى مُتوفِّيكَ ورافعُكَ إلىّ ومُطهِّرُكَ من الذين كفروا وجاعلُ الذين اتّبعوكَ فوق الذين كفروا إلى يومِ القيامة» (آل عمران/٥٥). ففى جميع الأحوال، الوجعُ الذى ضرب قلبَ العذراء مخيفٌ ومفجعٌ لا يشبهه وجعٌ. واقفةً تبكى والقلبُ مفطورٌ أمام ذلك الموقف العظيم: ابنُها، الذى ما نَخَسه الشيطانُ، ولم يرتكب خطيئةً، تُبصره حاملاً صليبَه الخشبى الهائل يجرُّ قدميه محكومًا عليه بالموت من دون ذنب. لكنّ الصبىّ يُبشّر أمَّه بالصبر، ثم يدعو الَله لظالميه من اليهود والرومان، أن يغفرَ لهم لأنهم «لا يعرفون ماذا يفعلون».

تلك العذراءُ المُصطفاة، زارت مصرَ مع طفلها المسيح عليهما السلام قبل ألفى عام، وطوّبت أرضَنا الطيبةَ ومكثت معنا قرابة السنوات الأربع، فكانت تتفجّر تحت قدميها ينابيعُ الماء لتشرب ووليدها الكريم. لهذا فمكانةُ العذراء فى قلوب المصريين، على اختلاف عقائدهم، هائلةٌ وراسخة.

فى كتاب «قواعد العشق الأربعون» للكاتبة التركية «إليف شافاق»، يقول المتصوفُ الجميل «شمس الدين التبريزى»: «الأديانُ كالأنهار، تصبُّ جميعُها فى البحر نفسه. وإذ ترمز الأمُّ مريم إلى الشفقة والرحمة والحب غير المشروط، فإنها رمزٌ للجميع دون استثناء».

كل عام ومسيحيو مصر بخير فى عيد العذراء مريم عليها السلام، وعيد سعيد على مصر والمصريين والعالم أجمع، بإذن الله تعالى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى حب العذراء مريم فى حب العذراء مريم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon