توقيت القاهرة المحلي 10:22:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عقولٌ نقيّة.. قلوبٌ نظيفة

  مصر اليوم -

عقولٌ نقيّة قلوبٌ نظيفة

بقلم - فاطمة ناعوت

شابٌّ محترم قرّر مكافأة جارتِه السيدة الطيبة التى قامت على تربيته ورعايته بعد رحيل والدته، فحجز لها «رحلةَ عُمرة» وأوصلها إلى المطار بنفسه، ثم عاد واستقبلها فى المطار بعد عودتها بسلامة الله من الأراضى المقدسة. ماذا نقولُ فى هذا التصرف الرقيق؟ نقول إنه شابٌّ مباركٌ ابنُ أصول حافظٌ للجميل، وسوف يجازيه اللهُ خيرًا على تصرفه النبيل.. لكنه خبرٌ عادى يتكرر كثيرًا فى مجتمعنا الطيب. حسنًا، ماذا لو أضفنا معلومةً صغيرةً إلى الخبر السابق: «هذا الشابُّ مسيحى». هنا سوف نتوقفُ، ثم نُنصتُ إلى صمتنا، وقد أخذتنا الدهشة! السؤالُ هنا: هل علينا الدهشةُ حقًّا؟! هل نندهشُ لأن سيدةً مسلمة قامت برعاية طفلٍ مسيحى رحلتْ عنه أمُّه، ثم نندهشُ لأن الطفل بعدما كبُرَ قدَّم لأمّه الثانية رحلةَ عمرة إلى بيت الله الحرام؟.. الدهشةُ تعنى أن بداخلنا شيئًا ليس على ما يُرام. لأن اندهاشَك من سلوك ما يعنى أنه «نادرُ الحدوث»، أو أنك ما كنت لتفعله لو تيسر لك.
نحن أمام سيدةٍ طيبة، نقية العقل، نظيفة القلب، قامت بما يجب أن تقوم به أمٌّ صالحة.. وشاب طيب، نقى العقل، نظيف القلب، قام بما يجب أن يقوم به ابنٌ صالح. الأمرُ طبيعيٌّ، والدهشةُ لا محلّ لها من الإعراب. هكذا يجبُ أن يكون جميعُ الناس فى مجتمع نظيفٍ خالٍ من المراهقات العنصرية والأدران الطائفية.

الشخصُ المؤمن بحق يؤمنُ بعقيدته ولا ينزعجُ من إيمان الآخرين بعقائدهم المختلفة عن عقيدته. أذكرُ أننى كلما سافرتُ إلى لبنان كنتُ أشترى هديةً لأمى الروحية الفاضلة: «آنجيل غطاس»، الموجّهة بالتعليم. الهدية هى تمثالٌ صغير للسيدة العذراء أشتريه من كنيسة سيدة لبنان «الأم حريصا»، وهو المزار المريمىّ الأكبر فى الشرق الأوسط، يحجُّ إليه السياحُ من جميع أنحاء العالم على اختلاف عقائدهم للتبرّك بالأم البتول المقدسة سيدة نساء العالمين.. وكذلك أذكر أن أكبرَ مصحف فى بيتى أهدته لى والدة «دميانة»، الشهيدة المسيحية التى اغتالت طفولتها يدُ الإرهاب السوداء فى تفجير الكنيسة البطرسية فى ١١ ديسمبر ٢٠١٦.. هل تصدقون هذا؟ فى أربعين الصبية الشهيدة اتّصل بى عمُّها ليُخبرنى بأن الشهيدة الجميلة تودُّ أن تُهدينى هديةً قيّمةً فى أربعينها، وتدعونى أن أحضرَ ذكرى الأربعين، مثلما حضرتُ جنازها ووقفتُ أمام نعشِها الأبيض الذى استقبله أهلُها وأقرباؤها وأصدقاؤها بالزغاريد والورود البيضاء والشموع. وحين قدّمت لى أمُّ الشهيدة «دميانة» مصحفًا ضخمًا أنيقًا مع صورة ابنتها، جرى الدمعُ من عينى، وارتبك الكلامُ فوق لسانى، وعرفتُ أن حبى لأقباط مصر المسيحيين لم يكن من فراغ.. فكيف لك ألا تحب بشرًا يعالجون القسوةَ بالرحمة، ويداوون الإرهاب بالمحبة والمغفرة؟!.

يومها، أحببتُ أن أختبر فِطنةَ قرائى وحُسن حدسهم قبل أن أخبرهم بالهدية الثمينة التى أهدتنى إياها الشهيدة «دميانة» يوم أربعينها، فكتبتُ على صفحتى أن يخمّن القراءُ ما تلك الهدية!.. وهالنى إبداعُ القراء. كثيرون قد أحسنوا التخمين وعرفوا الهدية، وكثيرون اقترحوا هدايا أخرى جميلة: كراسة من كراسات دميانة فى المدرسة، أو خصلة من جديلتها، أو مزقة من الثوب الذى صعدت روحُها الطيبة فيه إلى السماء، أو الكتاب المقدس مع القرآن الكريم، أو لعبة من لعب دميانة الطفلة الجميلة التى صدّعتها شظايا الغدر وهى لم تُكمل عامَها الرابع عشر، أو صورة لى مع دميانة لم تُلتقَط أبدًا. وبعد وصول التخمينات إلى ألف تخمين جميل، نشرتُ صورة الهدية: مصحفٌ فخمٌ مُذهَّبٌ هائلُ الحجم، مع كلمة قلتُ فيها: لعلّ قرائى يعرفون اليومَ لماذا أحبُّ أشقائى المسيحيين حبًّا جمًّا، وأعتزُّ بهم وأفرح بوجودى معهم على أرض مصر، ووجودهم معنا. لعلّ الجميع يعرفون لماذا أُثمّن إثراءهم مصرَ بفيض غزير من الحب والغفران والتسامح ومقابلة البغضاء بالحب، والعداء بالسلام، والرصاص بالغفران ثم بالمباركة والصلاة من أجل المسىء. لعلّ الجميعَ يعرفون اليومَ لماذا أعايدهم فِى أفراحهم، وسأظل أُعايدهم فى بيوتهم وفِى كنائسهم من أجل فرحى أنا، لا من أجل فرحهم وحسب.. ذاك أن فرحهم لن يزيد بوجودى أو ينقص بغيابى. أواسيهم فى مآسيهم وسأظل أواسيهم فى بيوتهم وفِى كنائسهم من أجل راحة قلبى أنا، لا من أجل راحتهم. ذاك أن راحتَهم لن تزيد بوجودى ولن تنقص بغيابى. سأظل أشهد لهم بالفضل علىَّ فى تعليمى طفلةً صغيرة فى مدارسهم وعلى يد مُعلّميهم المتحضرين. وأشهد لهم بالفضل علىَّ فِى تطبيبى واهنةً عليلةً فى مشافيهم على يد أطبائهم الأمناء وممرضاتهم الراهبات ملائكة النور والبياض.

«الدينُ لله والوطنُ لأنقياء الوطن».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقولٌ نقيّة قلوبٌ نظيفة عقولٌ نقيّة قلوبٌ نظيفة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon