توقيت القاهرة المحلي 13:33:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هدايا «عيد الأم»

  مصر اليوم -

هدايا «عيد الأم»

بقلم: فاطمة ناعوت

ونحن أطفالٌ في مدارسنا، كان عيدُ الأمّ بالنسبة لنا يحملُ الشىءَ ونقيضَه. كثيرٌ من الإثارة والشغف، وكثيرٌ من القلق والمنافسة، وكثيرٌ من الحزن والشفقة والشعور بالذنب.

نشعرُ بالشغف والإثارة ونحن نختبئ في زوايا غرفنا، قبل عيد الأم بأيام، لنكسر الحصالات ونعدّ الجنيهات النحيلة التي ادّخرناها شهورًا طوالًا من أجل ذلك اليوم المهم؛ حتى نشترى هديةً تليقُ بالشخص الجميل الذي تتعلّق بعينيه عيونُنا: الأمُّ. نفرحُ حين تفرحُ تلك العينان، ونخافُ إن مسّهما حزنٌ. نجمعُ أموالنا ونذهب إلى المحال نختالُ بثروتنا الصغيرة ونشترى ما تجودُ به المحالُّ، وما هو بالطبع دون خيالنا الجموح الذي يريدُ أن يشترى العالمَ لماما. ثم نسرحُ بأفكارنا ونُخمّن ماذا سيجلبُ الأصدقاءُ وأبناءُ الجيران وأولاد الخالة إلى أمهاتهم. هل سيتفوقون علينا في هداياهم، أم ستفوقُ هديتُنا ما يجلبون؟. لونٌ من المنافسة «الحُلوة» تناسبُ طفولتنا. نذهب إلى المدرسة فخورين بما جلبنا لأمهاتنا، وننتظرُ أن توزّع علينا المعلمةُ، ميس «سوزان»، الكروت بوستال التي سوف تُرافق هدايانا.

تجولُ عيونُنا في الفصل من حولنا، فنجد تلميذًا تدمعُ عيناه وهو يتسلّم بطاقة المعايدة الخاصة به؛ ولا يدرى ماذا يصنع بها، أو تلميذةً تُطرق برأسِها فوق الديسك لتُخفى عينيها الباكيتين عن عيوننا. هذا أو تلك لا يحبّان «عيد الأم»، ولا يُحبّان تلك البطاقات؛ لأن المُرسَل إليه: «غير موجود». الأمُّ قد غادرت العالم، فكيف نُرسل إليها هذه البطاقة؟. هنا يبدأ الشعورُ بتأنيب الضمير لأن صديقة لنا- أو صديقًا- ليس لها ما لنا من نعيم وفرح. الأم.

هذا الفريق الحزين من الأطفال يتعذّبون في عيد الأم لأنه يُربِكُ حساباتهم، ويفتح أمامهم سؤالًا وجوديًّا صعبًا: «أين أمّى؟، ولماذا لأقرانى ما ليس لى؟»، مثلما يفتح أمامنا نحن المُنعّمين بوجود الأم سؤالًا لا يقلُّ عُسرًا عن سؤالهم: «أين أمّهاتهم؟، ولماذا لنا ما ليس لأقراننا؟». سؤالهم مضفورٌ بالحزن والشعور بقلّة الحظ، وسؤالنا مضفورٌ بالأسى ومرارة الشعور بالذنب.

اليومَ، وقد غادرتنى أمى قبل سنوات مرّت كالدهور، غادرتُ الفريقَ المُنعّم، وانضممتُ إلى ذلك الفريق الذي يحملُ له عيدُ الأم شيئًا من المرارة. أين أمّى لأشترى لها هدية في عيدها؟!. هي الآن في مكان كلُّه هدايا وشموسٌ ونجومٌ وألماساتٌ وأنهارٌ من اللؤلؤ النقىّ. هي الآن حيث تصدحُ الموسيقى وتُشقشقُ العصافيرُ بالنغم والشدو. هي الآن في حضرة الله الغنىّ السخىّ، الذي يُحبُّ الأمهاتِ بقدر ما أحببنا، فوهبنا من فيض حُنوّهن وليالى سهرهن لكى ننام ونكبُر.

الهدايا التي جلبناها لأمهاتنا في «عيد الأم» أبدًا لا ننساها. لأن ذكرياتنا القديمة التي نسجتها طفولتُنا محفورةٌ في خانة «الذاكرة العميقة» التي تعبرُ فوق الزمن، وتتحدّاه. عكس «الذاكرة السطحية»، المؤقتة، التي تخزِّنُ أحداثًا عابرة: ماذا أكلنا، مَن قابلنا، الوجوه، الأسماء، الأرقام، وغيرها من العوابر.

مازلتُ أتذكر أول هدية لأمى وأنا في الصف الأول. أحضرت لنا المعلمةُ في الفصل بطاقاتٍ صغيرة ملوّنة ومُزيّنة بالزهور. وكتبتْ على السبورة: «إلى ماما الحبيبة، كل سنة وأنتِ طيبة». وطلبت منّا أن ننقل المكتوبَ في بطاقاتنا، ثم نوقّعها بأسمائنا. ومع مرور السنوات توالت هداياى لأمى وتطوّرت: قارورة عطر، مناديل مطرَّزة بورود، مفكّرة مواعيد، قلم، وغيرها من الهدايا البسيطة التي كنتُ أشتريها من دكان «عم يونان» أسفل عمارتنا. وكان الرد الدائم لأمى على هداياى وهدايا شقيقى: «مش عاوزة هدايا، انتوا هديتى، بس ذاكروا واطلعوا الأوائل وأنا أفرح»، لهذا، غالبًا ما كنت «أستعبط»، وأسترد تلك الهدايا، بمكر الصهاينة، بعد مرور عدة أيام، مبررةً تلك الخطيئة لنفسى بأن ماما «مش عاوزة هدايا، وأنا هديتها»!.

ثم دخلتُ في مرحلة جديدة من الهدايا التي لا تُحوجُنى إلى ادّخار النقود. القصائد. ورقة بيضاء، أكتب فيها عدّة أبيات على بحر الكامل أو الوافر أو المتدارك لأنها الأسهلُ عَروضيًّا، ثم أزيّن حوافَّ الورقة ببعض الزهور الملونة. وبعدما غدوتُ كاتبةً دخلتُ في مرحلة إهدائها كتبى في تصدير الصفحة الأولى. وأنا موقنةٌ أن أوراق العالم لا تكفى للتعبير عن حجم فقدى لأمى اليوم.

شكرًا لأمى، السيدة الجميلة الجادّة «سهير»، التي صنعت منّى إنسانًا جادًّا مسؤولًا يقدّسُ العمل، وطوباكِ حيثما تكونين في أي زاوية من زوايا فردوس الله الأعظم. في «عيد الأم»، اليوم، أقول لكل أمٍّ: كل عام وأنتِ زهرةٌ من زهور هذا الكون

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هدايا «عيد الأم» هدايا «عيد الأم»



GMT 03:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 03:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 03:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 03:39 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 03:37 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 03:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 03:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 03:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 13:18 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
  مصر اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon