توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كهفُ الفيلسوف.. وحبلُ الفيل

  مصر اليوم -

كهفُ الفيلسوف وحبلُ الفيل

بقلم: فاطمة ناعوت

لسببٍ ما، تذكّرتُ محاضرةً ألقيتُها فى ميسيساجا الكندية قبل سنوات. طلبت منى السيدةُ «فيبى وصفى»، مديرة مدرسة «فيلوباتير الثانوية الكندية»، أن أحضر حفلَ تخرج طلاب المدرسة الذين تأهلوا لدخول الجامعة، لكى أشاركهم فرحتهم بمحاضرة تُحفزهم على الدخول من بوابة المستقبل نحو الغد المشرق. وكانت كلمتى بعنوان «I Have a Dream» «لدىّ حُلمٌ». حكيت فيها للطلاب الكنديين حكايتين طريفتين.

الأولى: «أسطورة الكهف» كما رسمها الفيلسوفُ الإغريقى «أفلاطون» فى كتاب «الجمهورية». تصوّر أن بعضَ الأشخاص محبوسون داخل كهف منذ مولدهم. مقيدون بالسلاسل لا يستطيعون الحركة ولا الالتفات للخلف، ووجوههم مُصوّبةٌ نحو حائط لا يرون سواه؛ تنعكس عليه ظلالُ مَن يسيرون بالخارج من بشر وحيوانات. فيعتقدُ أولئك السجناءُ أن تلك الظلال هى البشرُ وأن الحياة هى ما يرونه على شاشة الحائط التى تنعكس عليها الخيالات. الآن دعونا نتخيّل أن واحدًا من السجناء نجح فى كسر الأغلال، وخرج من الكهف المظلم، ليشاهد ضوء الشمس لأول مرة فى حياته.

بعد صدمة المفاجأة، يبدأ فى التجوال والتعرّف على الموجودات خارج الكهف، ليكتشف أن ما ظلَّ يراه هو ورفاقه طوال أعمارهم ليس إلا خيالاتٍ وأوهامًا، وأن الحقيقة شىءٌ آخر. «أفلاطون» بحكايته تلك كان يشرح نظرية «عالم الُمثُل»، لكن السجينَ الخارج من الكهف يحكى منهج «التفكير خارج الصندوق»، وعدم الاستسلام للفرضيات المغلوطة مهما عشّشت داخلنا سنواتٍ وعهودًا. ذلك هو الدرس الأول الذى على أبنائنا تعلّمه فى مقبل أيامهم.

الحكاية الثانية: عن الفيل الصغير الذى كان صاحبُه يربط ساقَه بحبل صغير جوار باب البيت حتى لا يمشى بعيدًا. كلَّ عام يكبر الفيلُ، والحبلُ هو الحبلُ الصغيرُ لا يتغير ولا يغلُظ. بوسع الفيل الآن، حين كبُر وصار قويًّا، أن يقطعَ الحبلَ بركلةٍ واحدة، ويهرب. لكنه أبدًا لا يفعل، بل يظلُّ واقفًا جوار الباب! لماذا؟ لأن الفيل يحملُ من ذكريات الماضى إيمانَه الراسخَ بأنه حين كان طفلا قد حاول كثيرًا، قطعَ الحبل للركض واللعب فى الحقول، لكنه أخفق مرّةً تلو مَرّة؛ لأن الحبل كان أقوى من أقدامه الصغيرة آنذاك. فاستقرَّ فى وعيه أنه أضعفُ من الحبل. ومع مرور الأيام قلّت محاولاته الفاشلة، حتى توقفت. أغفل الفيلُ أن حجمه صار أكبرَ كثيرًا من ذاك الحبل النحيل. ذلك هو الدرس الثانى: ألا نكفّ عن محاولة حل المشكلات مهما أخفقنا فى حلّها. ففى كل محاولة أنت شخصٌ جديد بقدرات جديدة، كما قال «هيراقليطس».

هذان هما الدرسان اللذان طرحتهما على التلاميذ الكنديين الذين يتأهبون لمغادرة مقاعد المدرسة نحو براح الجامعة، وهما ذاتهما الدرسان اللذان أحكيهما لأطفالى ولكل صبيّة وصبىٍّ يظنان أن الأحلام عصيةٌ على التحقق. وأما الدرس الثالث والأهم هو ما قاله «باولو كويللو» فى رواية «الخيميائى». إذا حلُم الإنسانُ حلمًا ما، وآمن به جدًّا وأصرّ على تحقيقه، تآمر الكونُ بكامله من أجل تحقيقه معه.

أما سبب تذكّرى تلك المحاضرة، فهو أن أحد أولئك التلاميذ الصغار «جوناثان» قد صار الآن مهندسًا جميلا، بعدما أدرك أنه قادرٌ على قطع جميع الخيوط التى تُعطّل أحلامه. جاء إلى القاهرة فى زيارة قصيرة، حاملا دواءً طلبتُه من صديقتى «فيبى وصفى» من أجل ابنى «عمر». دعوته لحفل باليه «الجمال النائم» فى دار الأوبرا المصرية، وفى الطريق ذكّرنى بتلك المحاضرة الجميلة.

وأذكّركم بأغنية «I Have a Dream» لفريق ABBA التى تقول: «لديّ حلمٌ/ أغنيةٌ أغنيها/ كى تساعدنى على مواجهة أى شىء/ إذا شاهدتَ العجائب فى حكايات الجِّنيّات/ ستكون قادرًا على صناعة المستقبل/ وإن أخفقتَ مرّةً/ أنا أؤمن بالملائكة/ الشىءُ الطيبُ فى كل شىء أراه/ أؤمن بالملائكة/ حينما أعرفُ أن الوقت فى صالحى/ سوف أعبرُ الشلال وأجتازُ النهر/ لأن لدىّ حلمًا».

ومن نُثارِ خواطرى:

■ ■ ■

(ملاك)

لو كان أبى ملاكًا

لجاءَ كلَّ ليلٍ إلى شُرفتى

ماسكًا طرْفَ الخَيْطْ

ليربِطَ أحلامى

بأحلامِ أطفالى

وبعدما يصلُ الأحلامَ

يوثِقُها فى خيطِ بالون

يصعدُ نحو السماءْ

...

ينظرُ إلىَّ ويبتسم

يرفعُ عصاهْ

التى نجمةٌ فى نهايتِها

يُربِّتُ فوق الرؤوسِ الُمتعبة

ثم يطيرُ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كهفُ الفيلسوف وحبلُ الفيل كهفُ الفيلسوف وحبلُ الفيل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon