توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القليلُ كثيرٌ.. في الطعام والعيال والفرح!

  مصر اليوم -

القليلُ كثيرٌ في الطعام والعيال والفرح

بقلم : فاطمة ناعوت

«القليلُ كثيرٌ، والكثيرُ قليل». نظريةٌ معماريةٌ تعلّمناها فى كلية الهندسة، لكننى اكتشفتُ أنها تنطبق على كلّ مناحى الحياة فى الطعام والعيال، وكذلك فى الفرح. «الإضافةُ عن طريق الحذف»، هى الفلسفة العبقرية التى انتهجها المعمارى الأشهر: «لودفيح ميس ڤان ديرّو» ليعلّمنا أن التفاصيل الكثيرة تُفقِد الإنسان القدرة على تذوّقها والاستمتاع بها. كلّما قلّت التفاصيل زاد الجمال، والعكس صحيح. وتلك الفلسفة: Less is More، and More is Less تنطبق على كل شىء فى الحياة تقريبًا.

دعونى أشارككم تجربتى الخاصة مع الطعام والوزن الزائد وأشياء أخرى. مع شهور الحظر العام الماضى، اكتسبتُ بضعة كيلوجرامات من الوزن الزائد. هرعتُ إلى صديقتى د. ريهام صفوت الحبيبى، استشارى التغذية وأمراض السمنة، فوضعتْ لى برنامجًا غذائيًّا علميًّا أفقدنى ما أثقلَ كاهلى من أحمال، وأكسبنى صحةً واستمتاعًا بطقس الطعام. الوجبةُ تكفى عصفورًا، لكن استمتاعى بالطعام زاد أضعافًا. فحين تتحوّلُ الوجبةُ إلى لوحةٍ فنيّة بها القليلُ جدًّا من الطعام موزّعٌ بأناقة على حوافِّ الصحن الأبيض، تكتشفُ أن احترامَك لكلِّ لُقيمة قد زاد، واستمتاعك بمذاقها قد تضاعف. ثمرةُ الجوافة التى تلتهمها فى ثوانٍ، جرّب أن تتناولها ببطء فى عشرين دقيقة، (لأنك تعلم أنها كلُّ نصيبك من الطعام لساعات). سوف يجعلُك هذا تستحلبُ رحيقَها بتروٍّ واحترام؛ فتشعر بحلاوة مذاقها على نحو مغاير تمامًا من تناولها ضمن صحن به خمس ثمرات.

تلك فلسفةُ أشهر وأغلى مطعم فى العالم: «أوستريا فرانشيسكانا» Osteria Francescana بمدينة «مدوينا» الإيطالية. صاحبُه ومديرُه الشيف: «ماسيمو بوتورا»، الذى كان عاشقًا منذ طفولته لمكرونة التورتيلينى؛ وكان يزعجُه تناولُ الناس لهذا الصحن بعجلة ودون احترام لمجرد الشبع. فقرر ابتكار صحن أطلق عليه اسم: «تورتيلينى يتجوّلُ فى الحساء»؛ وهو عبارة عن ٦ حبّات مكرونة لا غير، تسبحُ فى قليل من الصوص الأبيض، موزعةً فى صحن أبيض كبير من الصينى. وللحصول على هذا الطبق «الشحيح» عليك الحجزُ مقدمًا فى المطعم لشهور طوال، مقابل مبلغ باهظ لتلك الوجبة التى لا تُشبِع. لكنها فى الواقع كافية لمنحك الشبع؛ لأنك سوف تتناول ببطء شديد «وباحترام»، كلَّ مكرونة من المكرونات الستّ، إضافة إلى متعة تأملك اللوحة الفنية على خلفية الصحن الأبيض. هذا كلامٌ علمىٌّ بالمناسبة؛ ففى تلك الوجبة الخفيفة ما يُشبِعُ الإنسانَ. لكننا لا نفطنُ إلى ذلك بسبب الاعتياد على التهام أطباق هائلة من المكرونة والأرز والطبيخ واللحوم؛ فتحمل أجسادُنا الدهونَ الزائدة، وتفقد أرواحُنا متعةَ الاستمتاع بالطعام واحترامه. وهذا يتفق مع الحديث الشريف: «بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبَه».

أظنُّ أن تلك الفلسفة: «القليلُ كثيرٌ، والكثيرُ قليل» تنطبقُ كذلك على عدد الأطفال الذين ننجبهم. لهذا يقولُ المثلُ الشعبىُّ الفطن: «عيّل مكسى، ولا عشرة عريانين». فلا شكّ أن الرعاية، بل الحب، الذى يُمنح لطفل أو طفلين، أكثرُ مما يمكن منحه لخمسة أطفال أو عشرة. وشكرًا للرئيس السيسى الذى قرّر الوقوفَ بحسم أمام «غول» الانفجار السكانى الذى يبتلع جميع محاولات النهوض بالوطن، ويجعلُنا ندور فى فلك العوز والاستدانة والمرض، ويُرهق كاهل الوطن بمأساة أطفال الشوارع والتسرّب من التعليم وغيرها من كوارثَ مجتمعية لم نعد قادرين على مواجهتها؛ إلا بتنظيم النسل بأمر القانون، وليس بالمناشدة والتوسّل. وشكرًا لشيخ الأزهر د. أحمد الطيب الذى استجاب لمطلب رئيس الدولة بمكافحة الانفجار السكانى، وأعلن «أخيرًا» أن تنظيم النسل «حلالٌ حلالٌ حلال». وشكرًا دار الإفتاء المصرية التى أعلنت جواز اتِّخاذ الدولة ما تراه من تدابير لتنظيم عملية النسل وترغيب الناس فيه. ولن نتساءل: لماذا لم تُعلن المؤسسةُ الدينية هذا منذ عقود، لنوفّر على أنفسنا ما نواجهه الآن من أزمات طاحنة؟!، فالوصول إلى الهدف «متأخرًا جدًّا» خيرٌ من عدم الوصول على الإطلاق.

كان فيلم «أفواه وأرانب» فى سبعينيات القرن الماضى أولَ ناقوس إنذار يُقرعُ لينبّه الناسَ بالكارثة القادمة. لكن الفيلم للأسف وضعَ نهاية «رومانسية» للمأساة بتشغيل الأطفال فى مزرعة الرجل الثرىّ؛ وهو حلٌّ فردى رهين مصادفة، ضاربًا صفحًا عن تعليمهم والرعاية الصحية والنفسية لهم. وبدأت المشكلةُ تتفاقم يومًا بعد يوم، لأن مشايخَ متأسلمين أفتوا بتحريم تنظيم النسل، وراحوا يشوّهون الدينَ ويدمرون الوطن؛ لصالح «البزنسة» التى يتربّحون منها.

أتمنى اليومَ أن تتخذ الدولةُ إجراءاتٍ حاسمة بشأن تنظيم النسل بإلغاء الدعم كليًّا عن الأسرة التى تنجب الطفلَ الثالث. فلن نشعر بجميع مظاهر النهوض التى نحياها الآن؛ إلا بمواجهة الانفجار السكانى الذى يلتهم كل بناء وتشييد فى هذا الوطن الطيب. «الدينُ لله والوطنُ لمن يُصلِحُ الوطن».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القليلُ كثيرٌ في الطعام والعيال والفرح القليلُ كثيرٌ في الطعام والعيال والفرح



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon