توقيت القاهرة المحلي 20:05:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بيكار.. مايسترو صناعة النور

  مصر اليوم -

بيكار مايسترو صناعة النور

بقلم : فاطمة ناعوت

إن كنتَ تعرفُ «بيكار»، وتصافحُ لوحاتِه بين الحين والآخر، فأنت على ما يُرام وصحتك النفسية ومذاقُك الفنّى بخير، ولا خوفٌ عليك من البوار الذهنى والخمول الفنىّ وطوبى لك مقامًا في كوكب الراقين الذوّاقين. إن كنتَ لا تفعل فقد خسرتَ الكثير. يُدركُ كلُّ عاقل أن الفنونَ قاطرةُ الإشراق والحضارة والتقدم والصحة العقلية والنفسية لأفراد أي مجتمع. لهذا نحتفظ في حواسيبنا بقطع من لوحات بيكار المدهشة، إن لم تكن هناك لوحة أو لوحتان من لوحاته معلّقتين على جدران بيوتنا، نتأمل خطوطه وألوانه وحواديته ونهمس: )يا مصرُ العظيمة، شكرًا لما أهديتِ العالمَ من عظماء!(.

حسين بيكار، واحدٌ من أهم أيقونات الفنّ الرفيع في مصر والعالم. حين نكتبُ الشِّعرَ نستلهمُ من لوحاته جُملتَنا الشعرية وطاقتنا الإبداعية. وشكرًا «جوجل»، الذي يحتفل يوم 2 يناير بعيد ميلاده. وحزينة لأن مصرَ تنسى الاحتفالَ به بسبب جهود الظلاميين المستميتة في طمس كل جميل في مصر خدمةً للرجعية والطائفية التي تهدمُ الحضارات، فقد كان الفنان الأسطورىُّ بيكار بهائيًا.

وُلِد «حسين بيكار» عام 1913، بمدينة الإسكندرية الساحرة، قبل أن يغزوها الظلام، في عهد راق متحضّر كانت مصر فيه تُصدّر للعالم أيقونات الفنّ والنحت والآداب. وقف الطفلُ أمام والدته ذات الأصول التركية، وهى جالسة تُطرّز بالإبرة على قطع القماش ورودًا وفراشاتٍ وعصافيرَ رسمتها بالقلم الرصاص قبل أن تُعمِل فيها إبرتَها وخيوطَها الملونة. وقف مشدوهًا تتأملُ عيناه الطفلتان كيف تتحوّل قطعة القماش البيضاء إلى حديقة ملوّنة حاشدة بالزهر والشجر، فاعتبر ما تقوم به والدتهُ الفنّانة لوناً من ألوان السِّحر والخلق الإلهى.

هنا وقع الطفلُ الموهوب في عشق الرسم. نظر حوله فوجد «عودًا»، كان أبوه قد اشتراه لتتعلّم عليه شقيقته فنونَ العزف وأسرار النغم. هنا اكتشف الطفلُ الموهوبُ ضربًا آخر من ضروب «السحر» حين يُحيل صمتَ الغرفة إلى نغماتٍ تطير كما تطيرُ الفراشات من تطريزات أمّه على القماش، فبدأ يدندن على العود حتى أتقن العزف. أنصتت الجارةُ فطلبت منه أن يُعلّمها العزفَ على العود مقابل «ريال» مصرىّ، جعله ثمنًا لأول علبة ألوان زيتية صنعت مستقبل الطفل، الذي سيصير أحد أهم أساطين التشكيل في العالم بعدئذ.

بدأت محاولاته الطفولية برسم بيوت أوروبية بسقوف مائلة تُطلّ على بحيرات تحوطها أشجارٌ وزهورٌ تفترشُ بساطًا أخضر من العشب والحشائش. وبعد حيازته الشهادة الابتدائية ووفاة والده، سافر إلى القاهرة مع والدته وشقيقته ليلتحق بمدرسة الفنون العليا، كلية الفنون الجميلة الآن، ولم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره بعد، ليبدأ مشواره الاستثنائى. فنانٌ موسوعىّ شامل له باعٌ في الموسيقى والغناء والكتابة الزجلية، وباعٌ في رسوم الأطفال التعليمية، لكن باعَه في التشكيل مَلَكَ عليه حياتَه ومَلَكَ على العالم إنصاتَه. تعلّم على يد فنانين أوروبيين. وعلى يد الفنان أحمد صبرى تعلّم أسرار فن البورتريه بالزيت على التوال.

تخرّج في مدرسة الفنون العليا عام 1933 ليبدأ مشواره، وتعددت المناصب الرفيعة التي شغلها بدءًا بالتدريس بكلية الفنون الجميلة ثم في القسم الفنى بجريدة الأخبار، وفى مجال تصميم أغلفة الكتب، وفى رسم كتب القراءة للصفوف الأربعة الأولى بالمدارس الابتدائية، ومجلات الأطفال التعليمية، حيث أجاد تحويل «الكلمات» إلى «صور» تنطق بالحياة والصخب. ولهذا فكثيرٌ من أجيال مصر مدينون له بما تعلموه من رسوماته في كتب القراءة والتاريخ المدرسية.

انتهى الجزءُ المشرقُ من الحدوتة، وحان أن أُنهيها بما يُبكِى. زُجّ بذلك الفنان الرهيف العذب إلى ظلمات السجن عام 1985 بتهمة الرشوة! هل يرشو الفنانُ أو يرتشى؟! الحكايةُ أن ذلك الفنان الاستثنائى قد اعتنق «البهائية». ذهب الفنانُ المصرى العالمى «حسين بيكار» إلى مكتب السجلّ المدنى لاستخراج بطاقة شخصية. ولأنه «صادق»، حاول إقناع الموظف أن يكتب في خانة الديانة: «بهائى»، لكن الموظف رفض واتهمه بالرشوة! فزُجّ به في السجن برهة من الزمن، أُفرِج عنه بعدها.

لكن استرداده حريته لم يكن نهاية معاناته بل بدايتها. بدأ الإعلام المصرىّ الانتقائى في طمس إنجازاته، وتعرّض «بيكار» بسبب عقيدته للعسف والظلم والتشويه والاغتيال المعنوى حتى رحل عن دنيانا حزينًا عام 2002. وانتهى الظلمُ بوقف مشروع إنتاج فيلم سينمائى عن حياته الغنية بالإنجازات الفنية المدهشة. لن نتحضّر ولن نتقدّم طالما لا نؤمن بحقيقة بسيطة تقول: «الدينُ لله، والفنُّ والوطنُ والعلمُ للجميع .»

تحية احترام لك أيها الفنان الجميل حسين بيكار، وفى عيد ميلادك أقول لك: كل عام وأنت أيقونة مصرية فريدة نزهو بكَ، وتزهو بك مصرُ.

«الدينُ لله، والوطنُ لمَن يضىء شموعَ الوطن».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيكار مايسترو صناعة النور بيكار مايسترو صناعة النور



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon