بقلم : فاطمة ناعوت
انتظروا «قَطفةً» صالحةً من شجرة أجيال الوطن القادمة على الطريق بإذن الله. مع بزوغ شمس ٢٠٣٠، سوف تشهدُ مصرُ طفرةً نوعية فى شخصية المواطن المصرى يليقُ باسمها العريق. وأخيرًا تحقّقَ الحُلمُ الذى نادينا به عقودًا طوالا، وانتقلتْ مناهجُ التعليم المصرى من خانة «النقل» إلى خانة «العقل». أخيرًا بدأ الاهتمام العملى بتنشئة جيل صالح متفوّق أخلاقيًّا وأكاديميًّا. فى مدارس الراهبات، كنّا نتلقى مادة «الأخلاق» و«الأتيكيت» والتهذُّب فى القول والفعل، كركنٍ أساسىّ من العملية التعليمية، إلى جوار مستوى التعليم الأكاديمىّ الفائق. ذاك أن فكرةَ التعليم، فى أصلها، هى: خلقُ إنسان صالح يُفيد المجتمعَ بتحضّره وعلمه وإبداعه. لهذا أُطلق على المنبر المسؤول عن تلك العملية الخطِرة: «وزارةُ التربية والتعليم»، حيث التربيةُ تسبقُ التعليمَ. وفى المقابل، للأسف، فى معظم المدارس الحكومية، كان الاهتمامُ فقط بتحصيل الدرجات، والانتقال من صفٍّ إلى صف! الآن، اختلف الأمرُ فى وثبةٍ حضارية مشهودة. منذ ثلاثة أعوام بدأ غرسُ البذور الطيبة فى حقل التعليم المصرى، فانتظروا معى بفرح أن نحصدَ ثمارَها المشرقة خلال سنوات؛ مع جيل راق تربّى على مناهج واعية، وأيادى مُعلمين محترفين؛ يدركون خطورةَ الخدمة التى يقدمونها للوطن.
تحقَّق الحُلمُ وأُدخلت فى مناهج الصف الثالث الابتدائى مادة: «القِيَم واحترامُ الآخر». فشكرًا للرئيس المستنير «عبدالفتاح السيسى»؛ الذى قرّر، منذ يومه الأول فى الحكم، أن يعملَ على «إعادة بناء المواطن المصرى» وأرفقَ القرارَ بالتنفيذ، وشكرًا للوزير المثقف «طارق شوقى» الذى ينتقلُ بالتعليم من خانة التلقين الببغائى إلى براح إعمال العقل والضمير، وبناء الشخصية الصالحة؛ ويواجه جرّاءَ ذلك كثيرًا من الانتقاد غير الموضوعى؛ يتحمّله فى صبر وحكمة، لأنه يدرك أن «جراحة الجسد المعتلّ» مؤلمةٌ، ولا يُشكر الجرّاحُ إلا بعد التئام الجُرح وتعافى الجسد. ولا شكّ أن جسدَ منظومة التعليم مُعتلٌّ ومتهالكٌ منذ عقود، وعلاجه عصىٌّ وشاقٌّ وطويل المدى، يستلزمُ مِبضعَ جراحٍ عبقرى وصبور، يطاله الانتقادُ اللاذع، فيصمُّ أذنيه عن كلّ ما يُعرقلُ سيرَ العملية حتى نجاحها. فـتحيةَ احترامٍ لهذا الوزير المحترم الذى انتظرته مصرُ آمادًا ليُصلِحَ ما أفسدته الحِقبُ. ولم تكتفِ الوزارةُ بتنقية المناهج الدراسية من سمات العنف والطائفية والعنصرية والتلقين، ثمّ ضخِّ قيمِ الأخلاق واحترام الآخر وإعمال العقل والقدرة على التحليل من أجل بناء «العقلية النقدية» التى تبنى المجتمع؛ بل أضاف إلى كلّ ذلك كتابَ: «دليل المعلم»، مقرونًا بكل كتاب يتسلّمه التلميذ، من أجل تدريب المعلّم على كيفية شرح هذه المادة أو تلك. هذا هو الـ«Know-How» لشرح الأساليب التى أقرّتها منظماتُ التعليم العالمية لخلق كوادر من المعلمين تنهج الأسلوبَ العلمى والتربوى الرصين لتنشئة أجيال فائقة متحضرة ذات علم وذات أخلاق.
بالأصالة عن نفسى، بصفتى: «الأمين العام للثقافة» فى «منظمة التنوير العربية التابعة للأمم المتحدة»، وبالنيابة عن جميع زملائى فى المنظمة، ورئيسها الباحث فى الشأن الإسلامى: د. مصطفى راشد، مُفتى أستراليا ونيوزيلاندا، أنقلُ لكم نصَّ التحية التى نُقدمها لتلك الوثبة التنويرية المحترمة التى سنحصد ثمارها مع الأيام: (منظمةُ التنوير العربية التابعة للأمم المتحدة، وأعضاءُ مكاتبها الرئيسية والفرعية البالغ عددُها ستةً وأربعين مكتبًا فى جميع أنحاء العالم، يتقدمون بالشكر والامتنان للرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى، ووزير التعليم المصرى د. طارق شوقى، على تطبيق تدريس كتاب «القيم واحترام الآخر» بالمدارس المصرية فى الصفوف الابتدائية، كخطوة مهمة وأساسية على طريق التنوير والتحضّر. ونتشوّفُ بشغف أن تكون تلك الوثبةُ التنويرية إرهاصةً لتدريس مبادئ البيان العالمى لحقوق الإنسان، الذى تنادى المنظمةُ به أُسوةً بالدول المتقدمة التى قطعت شوطًا واسعًا على مضمار الحضارة والتنوير والنهضة التعليمية، لما فيه من قيم إنسانية عليا؛ تدعو للمساواة والعدل واحترام الآخر، وحماية كرامة الإنسان والحق فى الحياة فى سلام وأمان).
مصرُ هى الدولةُ التى غرستْ بذرةَ الأخلاق الأولى فى تُربة هذا العالم، قبل نزول الرسالات السماوية والأديان بآلاف السنين. مصرُ هى الدولة العظمى التى سنّت فى «قانون ماعت»، ربّة العدالة والضمير عند سلفنا المصرى الصالح، مانيفستو الأخلاق فى المحاكمة الأوزورية حيث يُقرُّ المرءُ باعترافات سلبية تضمن له الخلود فى الفردوس، قائلا: «لم أكذب، لم أقتل، لم أسرق، لم أعذّب حيوانًا، لم أتسبّب فى شقاء نبات بأن نسيت أن أسقيَه، لم أتسبّب فى دموع إنسان...»، هكذا وصلت رقّةُ المشاعر وعمق الخُلق عند «المصرى القديم»، وها نحن الآن نبنى «المصرى الجديد» على ذات القيم الرفيعة. فشكرًا لمن حقّقَ لنا الحُلم الذى خِلنا أن دونَه المُحال. «الدينُ لله، والوطنُ لمن يرتقى بأبناء الوطن».