بقلم : فاطمة ناعوت
دُرّة جديدة تُضاف إلى عقد اللؤلؤ الذى يضفره المسرحُ القومى منذ عام ١٨٦٩ وحتى أبد الثقافة والفنون. جوهرةٌ جديدة يضيفها المخرجُ «خالد جلال» إلى صندوق كنوزه. زهرةٌ جديدة يغرسها النجمُ «ميدو عادل» فى حقل مشواره الفنى المدهش. صفحةٌ من دفتر بطولات القوات المسلحة غزير الأوراق، فى ملحمة الذود عن تراب مصر وشرفها. ولمحةٌ جديدة يضيفها المواطنُ المصرى إلى رصيد معرفته بجيشه العظيم وبطولاته.
على خشبة المسرح القومى العريق، تُقدّمُ الآن مسرحية «الوصية» التى تحكى حكاية الشهيد البطل «محمد المعتز رشاد» أحد مقاتلى القوات المسلحة البواسل الذى نال شرف الشهادة أثناء مداهمته أحد الأوكار الإرهابية فى رفح قبل أعوام. المسرحية ضمن مبادرة «اعرف جيشك» التى يتبناها البيت الفنى للمسرح ووزارة الثقافة من أجل تعريف المواطن المصرى بشذراتٍ من بطولات القوات المسلحة المصرية، ورفع الوعى العام بمخاطر الإرهاب الأسود. الإخراج جاء مدهشًا حيث توازى الماضى مع الحاضر على خشبة المسرح. إذ تزامنت العملية الجراحية التى تحاول إنقاذ البطل قبل استشهاده، مع عمليات القوات الخاصة على أرض سيناء قبل إصابة البطل. الشهيدُ هو نجل العميد طبيب «المعتز رشاد» الذى قاتل فى حرب ٧٣، وغرس فى ابنه، منذ طفولته، حب الوطن والرغبة الملحّة فى شرف الالتحاق بالجيش المصرى. ولبّى الابنُ نداء وطنه والتحق بصفوف القوات المسلحة، لكنه أخفى عن والده انتقاله إلى صفوف سيناء بناء على طلبه، لكيلا يثير فزع أسرته عليه لحظة اشتعال نيران الإرهاب فى مصر الطيبة. وبعدما أصيب بطلقة نافذة، ونُقل إلى مستشفى المعادى، قرّر القدرُ أن تُجرى جراحةُ الإنقاذ بمبضع والده الطبيب. خفقت قلوبُنا مع صدمة الوالد، حين شاهد ابنَه المحترق ببارود التكفيريين يحتضر. ثم انخلعت قلوبُنا من صدورنا مع صرخة الأب: «ابنى»، وهو يلفظ أنفاسه بين يدى أبيه العميد البطل؛ الذى أدّى دوره ببراعة الفنان الكبير «أحمد فؤاد سليم». الفنانة العظيمة «سميرة عبد العزيز» كانت الأمّ الجميلة التى رحلت إلى رحاب الله قبل سنوات، لكنها لم تغب عن أسرتها، فكانت تشاركهم لحظات حياتهم. وفى لحظة استشهاد ابنها، كانت على باب الفردوس فى استقبال روحه الطاهرة.
مسرحية فائقة ملأت أرواحنا بالفخر بمصريتنا وبجيش بلادنا الباسل، وملأت عيونَنا بالدمع ونحن نرى أنبلَ شبابنا يقدمون أرواحهم ليحموا أرواحنا، ويموتوا حتى نحيا وتحيا مصر.
العمل المسرحى الجميل تأليف «أحمد سلامة»، وإخراج «خالد جلال»، وبطولة النجوم العظام: «أحمد فؤاد سليم»، «سميرة عبد العزيز»، «ميدو عادل»، «محمود حافظ»، «محمد دسوقى». الاستعراضات المدهشة من تصميم د. «مجدى صابر»، وملابس «هالة الزهوى»، وديكور «محمد الغرباوى». وأما الغناء الساحر فكان بحنجرة الجميلة «مى فاروق» على كلمات «محمد بهجت» وموسيقى «أحمد كيكار».
وصلَنا نحن الجمهور كيف كان الممثلون يؤدون أدوارهم بحبٍّ عظيم، إذ يشعرون أنهم يقدمون للوطن مهمة مقدسة. كانوا يستحضرون سيدة الغناء «أم كلثوم» وهى تجوب ربوع الوطن العربى تغنى لصالح المجهود الحربى المصرى. فجميع المصريين جنودٌ فى جيشنا العظيم، كلٌّ فى صفّه وسريته ولوائه وسلاحه؛ وفق عمله ومواهبه وقدراته. وكأننا نقول فى صوت واحد: «يا جيشَنا العظيم، يا قوّاتُنا المسلّحة المصرية، نحن شعبَ مصرَ، نصطفُّ خلفك ظهيرًا شعبيًّا وصخرةً لا ثغرات فيها ولا صدوع».
يعرف كلُّ مصريّ ذكى قيمةَ جيشنا العظيم. ليس وحسب لدحره الإرهابيين فى معركة تلو معركة فى سيناء، وليس وحسب لحمايته مدن سيناء من السقوط وتحويلها إلى إمارات داعشية على غرار المدن التى نجح الدواعش فى إخضاعها وتحطيم بنيتها التحتية وتدمير آثارها وتشريد أهلها وقتل رجالها وأطفالها واغتصاب نسائها وبيعهن سبايا مقيدات بالسلاسل والجنازير، بل نمتنُّ لجيشنا العظيم لمنعه ما كان ممكنًا أن ينالنا من ويل إن لم يُجهض جيشنا العظيم مئات التفجيرات والحرائق التى كان مقررًا لها أن تُنفّذ منذ ٣ يوليو ٢٠١٣ وحتى اليوم، وإلى أجل غير مسمى.
شكرًا للمسرح القومى العظيم الذى يستضيف هذه الملحمة البطولية المهمة «اعرف جيشك» التى كانت «الوصية» أولى فرائدها. شكرًا لوزارة الثقافة والفنان «إسماعيل مختار» رئيس البيت الفنى للمسرح لتنبى تلك المبادرة الفنية التوعوية المهمة. شكرًا للفنان «إيهاب فهمى» مدير المسرح القومى الذى يستضيف هذا العمل الفائق. شكرًا لكل شهيد قدّم حياتنا وحياة مصر على حياته. وفى الأول والأخير شكرًا لأسرة كل بطل أهدت لنا زهرات قلوبها ملفوفة جثامينها فى علم مصر، قربانًا لمصر. «الوصية» هى: «اعرفْ جيشَك» العظيم وانحنِ له احترامًا لأنه يحمى شرفَنا. «الدينُ لله، والوطنُ لمن يحترمُ جيشَ الوطن