توقيت القاهرة المحلي 10:18:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوعي بالحياة... الوعي بالموت

  مصر اليوم -

الوعي بالحياة الوعي بالموت

بقلم : فاطمة ناعوت

خلال أيام قليلة من نهاية العام الماضى ٢٠٢٠، فقدتُ عشرة أصدقاء مستحيل تعويضهم. بعضهم كانوا زملاء فى كلية الهندسة، وبعضهم زملاءُ فى الحقل الأدبى، وبعضهم أساتذة لى تعلّمتُ منهم وأدينُ لهم. وأولَ أمس خسرتْ مصرُ هرمًا من أهرامها العظمى فى الدراما والتنوير والثقافة، هو الكبير الراحل «وحيد حامد». الموتُ صار حدثًا اعتياديًا فى زمن كوفيد ١٩، وصارت صفحات سوشيال ميديا قاعات عزاء ورثاء. أؤمن بأن جميع البشر من مليارات هذا الكوكب، قد صاروا اليومَ جاهزين لتقبّل فكرة الاختطاف الوشيك بالموت. اختطافُ أحباء لنا، أو اختطافنا نحن. ولأننى أكره بثّ الطاقة السلبية، وألجأ دائمًا إلى نشر روح الحياة والأمل، فكرتُ اليومَ، ومع بداية هذا العام الطيب بإذن الله، أن أكتب عن قيمة «الوعى بالحياة»، حتى نتأملها، بديلا عن فكرة التفكير اليومى فى الموت تزامنًا مع زمن كورونا وسلالاتها.

فى رواية «فيرونيكا تقرر أن تموت»، شيّدَ «باولو كويلو»، الروائى البرازيلى الشهير، مبناه الدرامى على فكرة «الوعى بالحياة والوعى بالموت». مقدارُ ذلك الوعى لدى الإنسان يُشكّل كثافةَ وجوده ومدى استعداده للحياة أو للموت. تستقبل إحدى المصحّات العقلية فى سلوفينيا شابّة جميلة ومتحققة حاولت الانتحار. بعد إفاقتها من الغيبوبة التى داهمتها بعد ابتلاع علبة الأقراص المنومة، قالت فيرونيكا أثناء التحقيق معها إنها فعلت كلّ ما يمكن فعله فى السنوات الأربع وعشرين التى عاشتها فى هذه الحياة: نشأت فى عائلة ثرية مترابطة، وتعلّمت تعليمًا جيدًا، وعملت بوظيفة مرموقة، وأحبّت وأحبها كثيرون واستمتعت بكل لحظة فى حياتها. ثم أصبح كلُّ شىء فى الحياة مُكررًا ومُضجرًا ومتوقّعًا! فلماذا عليها أن تعيش سنواتٍ إضافية وعقودًا طويلة حتى يقرّر الموتُ مداهمتَها بإرادته فى شيخوختها؟! لماذا لا تذهب هى إلى الموتُ بكامل إرادتها الحرّة وهى فى شرخ شبابها وتحققها وصحتها وبهجتها؟! ما فائدة ما تبقى من العمر مادام كلُّ ما يجرى فيه معروفًا سلفًا ومتوقّعًا وناقص الدهشة وحتمى النهاية؟! إن كان لا بدّ من الموت فى نهاية الرحلة، فلماذا ننتظره ولا نذهب إليه نحن بملء إرادتنا؟ أنصتَ إليها طبيبُ الأمراض النفسية والعقلية فوجد أمامه امرأة شابّة كاملة الوعى والإدراك والذكاء. لم تكن بحاجة للخضوع إلى علاج نفسى أو دواء عقلى حتى تكفَّ عن محاولات الانتحار. لكنها بحاجة إلى «صدمة معرفية ووجودية» تجعلها تُدرك أن الحياةَ قيمةٌ فى ذاتها، وأن ثمّة ما يستحق أن يُعاش من أجله، وأن الانتحارَ عبثٌ ومراهقة وهروبٌ. هنا يفكّر الطبيبُ الذكى فى حيلة عظيمة. يقرّرُ «حقن» الشابّة المنتحرة بمصل «الوعى بالحياة»، إن جاز القول، عن طريق إيهامها أن محاولة انتحارها بابتلاع الأقراص المنومة قد أسفر عن تلفٍ هائل فى عضلة القلب، وأن أيامًا قليلةً أو أسابيعَ معدودة هى كل ما تبقى لها فى هذه الدنيا. هنا تدركُ «فيرونيكا» قيمة أيامها التى توشك على الانتهاء، فترغبُ فى الحياة وتعزفُ عن الموت. لكن الطبيب أصرّ على إيهامها أن موتها وشيكٌ وحتمىّ، ولا حلَّ علميًّا أو طبيًّا لعلاج القلب التالف، وعليها أن تتقبّل تلك الفكرة. قررت فيرونيكا أن تستغلَّ كل دقيقة من كل ساعة من كل يوم من عمرها القصير الموشك على الانتهاء. فى تلك الأيام القليلة تعلمت فيرونيكا عزف البيانو وراحت تساعد زملاءها فى المصحة العقلية على تجاوز مشاكلهم، فساعدت «زيدكا» التى تعانى من الاكتئاب الحاد، و«مارى» التى تداهمها نوباتُ الخوف المرضى والفوبيات، و«إدوراد» الذى يكافح الفصام العقلى، وتجرّب فيرونيكا مشاعر الحبّ الحقيقى فتتمسك أكثر بالحياة، وترفضُ الموتَ.

إدراك الإنسان أن الموتَ وشيكٌ، يجعله يُقدّر ويُثمّن كل دقيقة من عمره قبل نفادها. وعلى العكس من ذلك، فإن شعورنا الغريزىّ بأن الموتَ قد يصيبُ الجميعَ إلا نحن، لا يسمح لنا بإدراك قيمة الحياة واحترام كل يوم جديد تشرقُ فيه الشمسُ علينا أحياءً. شعورُنا أن الموتَ بعيدٌ، لا يجعلنا ندرك عدد الأشياء العظيمة التى بوسعنا أن نؤديها خلال ساعة من ساعات حياتنا التى نهدرها هباءً.

كلُّ لحظة من أعمارنا هى حياةٌ كاملة علينا اقتناصها. أتذكّر الآن عبارة كتبتها «سوزان كولينز» فى كتابها «Catching Fire»: (لأننى أستطيعُ أن أحصى على أصابعى عدد غروبات الشمس المتبقية فى حياتى، فلستُ أرغبُ فى أن يفوتنى أىٌّ منها). الوعىُ بقيمة الحياة، هى رسالةُ الإنسان على الأرض. وتُقاسُ حياتُنا ومستوى ثرائها بحجم ما قدمنا لأوطاننا، وعدد مَن ساعدنا من بشر على اجتياز أزماتهم وعلاج أوجاعهم وضخ المعارف فى عقولهم.

«الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوعي بالحياة الوعي بالموت الوعي بالحياة الوعي بالموت



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon