توقيت القاهرة المحلي 19:41:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بوابةُ العَدَم

  مصر اليوم -

بوابةُ العَدَم

بقلم : فاطمة ناعوت

هَبّةُ هواءٍ عاصف تفتحُ بابَ الفصل. فيسألنا معلّمُ الرياضيات: مَنْ دخل الآن؟ فهتفتُ بكل ثقة:«فاى» فرمقنى الأستاذُ بعتابٍ قائلا: «غلط!» وأجاب تلميذٌ آخر: «صفر؟» وتتوالى الإجابات «الغلط» من تلاميذ الصف الأول الإعدادى. أما «فاى»، ويُكتب رياضيًّا هكذا: Ø، فهو «اللا شىء» أى «العَدَم». وهو قيمة افتراضية لا وجود لها. لذا رفض المعلمُ إجابتى؛ لأن الذى دخل الفصل هو «كتلةٌ من الهواء»، يعنى: «شىء محدد»، وليس عَدَمًا. وأما زميلى الذى افترض أن «لا أحدَ دخل الفصل» يعنى صفرًا، لأننا لم نرَ «إنسانًا» يدخل، فقد وقع فى مغالطة اعتباره أن البشر وحدهم قابلون للعدِّ والإحصاء، ولم يدرك أن الهواءَ الداخل يحمل ملايين الذرات والإلكترونات.. إلخ، بل إن الهواءَ فى ذاته مكوّن من عدة غازات وأبخرة مختلطة، ومن ثم مستحيلٌ أن يكون «صفرًا». وتعلمنا يومها أن هذا «الصفر»، الذى نراه «تافهًا»، هو رقمٌ ضخم جدًّا جدًّا. إذ إنه يسبق عددًا لا نهائيًّا من الأرقام السالبة. فالصفرُ يتربّع كملك متوّج فى منتصف خط الأعداد الذى يمتد يمينًا ويسارًا بغير انتهاء إلى حيث يشاءُ الله. أكبرُ أرقامه التى تقع على يمينه (+ ما لا نهاية)، وأصغر أرقامه التى تقع على يساره (- ما لا نهاية)، وكلاهما رقمٌ افتراضىّ لا وجود له لأنه متناهٍ فى الكبر أو فى الصغر. مثلما نأتى بحبل طوله متر، ثم نقسّمه نصفين كلّ منهما نصفُ متر، ثم نقسّم كل نصف إلى ربعى متر، وهكذا بشكل دائم. لن نحصل على الصفر أبدًا، بل على قِطع من الحبل متناهية القصر. لأن الصفر ليس له مضاعفات ولا أجزاء. لو ضربته فى/ أو قسمته على رقم، ستحصل على صفر أيضًا.

لكن لو قسمت رقمًا عليه ستحصل على قيمة غير متعيّنة لا وجود لها فى حقل الأعداد الطبيعية ولا المُتخيّلة. هذه «الإعجازية» لرقم الصفر هى التى دعت الفيثاغورسيين- نسبة إلى فيثاغورس- إلى احترامه واعتباره أحد مفاتيح ألغاز الكون، حتى لُقِّبوا بـ«عَبَدَة الصفر». وهى كذلك التى دعت الرياضيين الجدد إلى ابتكار الرمز (فاى Ø) للتدليل على العدم أو اللاشىء، لكى يردوا الاعتبار للصفر العظيم الذى هو بوابة العدم، وليس العدم. الصِّفرُ مفتاحُ العدم، مثلما «الصبر مفتاح الفرج». البوابة التى عَبْرها نمرق إلى عالم الأرقام السالبة التى لا نهاية لها. هذه «اللانهائية» هى التى بنى عليها السفسطائى «زينون الإيلى» فى القرن الخامس قبل الميلاد معظم مفارقاته وحججه التى حيّرت المناطقة والرياضيين. إذ تنطوى على سلامة منطقية فلسفية، وتخالفُ الظاهرة الفيزيقية المرئية. مثل استحالة أن يسبق «أخيلُ» السلحفاةَ!، و«أخيل» هو أسرعُ عدّاء إغريقىّ وصفته «الإلياذة» بالسريع القدمين. لو بدأ «أخيل» السباق متأخرًا عن السلحفاة بمسافة ملليمتر واحد، لن يسبقها. لأن السلحفاة سوف تترك مكانها قبل وصول أخيل ببرهة من الزمن، وسيكون عليه دائمًا قطع عدد لا نهائىّ من المسافات الضئيلة التى قطعتها السلحفاةُ قبله، وبذلك لن يسبقها أبدًا منطقيًّا ورياضيًّا! وهى إحدى مفارقات «زينون» الشهيرة التى بناها على نظرية «المتوالية الحسابية والهندسية». تلك المفارقات نبهت علماءَ محدثين مثل «آينشتين» إلى اندماج الزمان والمكان بحيث لا يمكن فصلهما، فغدا الزمنُ بُعدًا رابعًا للكون، وبه يوصف المكان. فى حين فصل «زينون» الزمان عن المكان، فذهبت إحدى مفارقاته إلى استحالة حركة جسم من نقطة إلى نقطة؛ بما إن عليه أن يقطع «عددًا لا متناهيًا» من المسافات. وبما أن اللامتناهى لا وجود له، فلا يمكن قطعه فى زمن متناهٍ. كذلك بما أن كل جسم «الآن» موجودٌ فى مكان محدد، فبالتالى هو ساكن، وبما أن الزمن مكون من عدد لا متناه من هذه «الآنات»، فإذن كل الأجسام ساكنة لا تتحرك!.. وهنا الفكرة وراء الرسوم المتحركة التى تعتمد على عرض صور ساكنة بشكل متتالٍ متتابع فنشعر بحركة الأجسام الساكنة أصلا.

قبل سنوات بعيدة، كنتُ أتجوّل فى حى «حدائق القبة»، وقد أنهيتُ قراءة كتاب «عبدةُ الصفر» للفرنسى «آلان نادو». لمحتُ محلًا للزهور مكتوبًا عليه «عبدة الزهور الجميلة» (بالتاء المربوطة). اندهشتُ وقلتُ لابد صاحب المحل شاعرٌ، إذ آمن بأن الزهورَ لها محرابٌ للتعبّد! دخلتُ المحلَ وصافحتُ المدير بحرارة وسألتُه كيف ابتكر اسم المحل الفريد، وإن كان قد اقتبسه من عنوان كتاب «نادو»: «عبدة الصفر»؟.. فخرج معى إلى بوابة المحل ورفع بصره قائلا: «نادو مين وصفر مين؟! أنا اسمى «عبده» (بالهاء)، ودى الزهور الجميلة! سلامة عقلك يا ست!».

«الدينُ لله.. والوطنُ لمن يروى زهور الوطن».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوابةُ العَدَم بوابةُ العَدَم



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon