بقلم : فاطمة ناعوت
فى مثل هذه الأيام من كل عام، تكسو أعلامُ مصرَ صفحةَ السماء، ونتذكّر اليومَ الخالد الذى رفعت فيه مصرُ رأسَها أمام العالم، مُعلنةً انتصارَها على عدوٍّ رسمَ لنفسه صورة أسطورية، وصدَّر للعالم فكرة أنه لا يُهزَم. نتذكّر عظمة جيشنا المصرى العظيم، الذى دحرَ العدو الصهيونى قبل سبعة وأربعين عامًا، وظلَّ مُحافظًا على شرف مصر على مدى السنوات والعقود، حتى حرَّرَنا عام ٢٠١٣ من غول الإخوان الأسود الذى كاد يودى بمصر فى عام كئيب سُرق فيه عرشُ مصر، مثلما أمس واليوم وغدًا، هو ذاته جيشُنا العظيم يدحرُ الإرهابَ الذى خلّفه الإخوان فى سيناء الحبيبة. رجالٌ أشدّاء ذوو بأس وقدرات عسكرية وقتالية فائقة، صنعوا لنا ولأولادنا سنوات الأمن التى عشناها منذ حربنا الأخيرة مع إسرائيل فى أكتوبر ١٩٧٣، وحتى اليوم وإلى منتهى الأيام.
نتذكّر بكل احترام: الرئيس/ محمد أنور السادات الذى نجح فى استرداد سيناء من قبضة إسرائيل المحتلّة، بعد حرب التحرير المجيدة. نتذكّر بكل احترام الفريق طيار/ محمد حسنى مبارك، قائد القوات الجوية، الذى قاد نسورنا المصرية فى الحرب وكان صاحب الضربة الجوية الأولى التى زلزلت عديد النقاط الحيوية لدى قوات العدو الإسرائيلى فى سيناء، ما سمح لقواتنا البريّة بالتقدّم للعبور والسيطرة على الضفّة الشرقية للقناة فى أول أيام الحرب الشريفة، تحت غطاء وحماية نسور مصر فى القوات الجوية. نتذكّر بكل احترام الفريق/ سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان القوات المسلحة فى الحرب، وواضع خطة العبور والرأس المدبِّر لاجتياح جيشنا المصرى خطَّ الدفاع الإسرائيلى فى خط بارليف. نتذكَّر بكل احترام المشير/ محمد عبدالغنى الجمسى، المُصنّف فى الموسوعات العالمية ضمن أبرع ٥٠ قائدًا عسكريًّا فى التاريخ، وآخر مَن حمل لقب «وزير الحربية» فى مصر، قبل أن يتغيّر اللقبُ إلى «وزير الدفاع»، ذاك أن مصرَ دولة سِلمٍ لا تبادر «بحرب»، بل تحاربُ «دفاعًا» عن أرضِها وشرفِها وكرامة شعبها. وفى دفتر العظماء نتذكّر بكل احترام أول شهيدين فى حرب أكتوبر: العميد/ شفيق مترى سدراك، والرقيب/ محمد حسين محمود. وقضت حكمةُ الله أن ترتوى أرضُ مصرَ، فى أولى ساعات الحرب، بدماء رجلين نبيلين تنوّعا فى العقيدة، واتفقا على حب مصر.
والقائمة تطولُ لعظماء نَدينُ لهم بأرواحنا وأرواح آبائنا وأبنائنا، وفى القلب منها مهندسٌ عبقرى رحل قبل عامين، وتشرّفتُ بحضور مراسم جنازته وتقديم واجب العزاء لأسرته الكريمة. اللواء «باقى زكى يوسف»، رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميدانى أثناء الحرب، مبتكر فكرة استخدام ضغط المياه القوى لإحداث ثغرات فى الساتر الترابى المنيع المعروف عسكريًّا بخط بارليف الذى تغنَّت إسرائيل باستحالة إزالته. تصدَّع الساترُ الترابى أمام شلالات المياه الهادرة من المضخّات، كما تتصدّع ورقةُ شجر يابسة تحت أقدام الفرسان، وعبَر جيشُنا الباسل إلى حيث ثكنات العدو، ودحرناه، ليرتفع علمُ مصر زاهيًا، وتصدح أغنياتُ العبور من مذاييع البيوت فى كل أرجاء الوطن العربى. وأناشد المسؤولين بإدراج اسمه فى مناهج التعليم ليتعرف النشءُ على رموز مضيئة من رجالات مصر العباقرة. وأشكر الرئيس العظيم/ «عبدالفتاح السيسي» على إطلاق اسم «اللواء باقى زكى يوسف» على نفق مهم فى التجمع الخامس. وتحت اسمه نبذة عن الرجل تُخلّد ابتكاره الهندسى الذى يسَّرَ على قواتنا المسلحة تحطيم خط بارليف. فكان عبورُ القناة، وكان النصرُ العظيم على العدو الصهيونى. الرجل الذى منح مصرَ مفتاحَ كسر شوكة العدو، فحُفِرَ اسمُه فى سجّل النبلاء.
وأتشرّف بشكل شخصى بأن ذلك المهندس العبقرى هو ابن الكلية الجميلة، التى أتشرّف بالتخرج فيها: هندسة عين شمس. عاش فى هدوء وخدم وطنه فى هدوء وركن إلى مرحلة تقاعده فى هدوء، بعيدًا عن الأضواء، ثم رحل فى هدوء تاركًا مصرَ وقد حطّمت أسطورةً نسجها صهيونُ أمام العالم.
جميلٌ أن يتعلّم أبناؤنا تاريخَ بلادهم، ليعرفوا مَن جاءهم بالنصر ومنح وطنَهم مفتاحَ العزّة والكرامة. فذلك من شأنه، ليس وحسب إضاءة مناطقَ مشرقةٍ من تاريخنا المصرى المشرّف أمام عيون النشء المصرى الصغير، بل أيضًا تعليمهم درسًا مهمًّا فى «المواطَنة» بمفهومها الصحيح. كونها علاقةً بين مواطن شريف، ووطن يحتضن الجميع، من دون أن يسألهم عن عقائدهم. فالهُويةُ المجتمعية والمواطَنهُ شأنٌ جمعى يتوّجُ الجميعََ بهالة من نور تقول بصوتٍ عال وفخور: «هذا المواطنُ، مصرى». تحيةَ احترام لرموز بلادى الشرفاء الأحياء منهم والخالدين العابرين الزمانَ ممن لا ينساهم التاريخ. وتحيةَ احترام لمن يذكرون تلك الرموزَ ويُذكّرون الناس بها. «الدينُ لله، والوطنُ لمن يحمى حمى الوطن».