توقيت القاهرة المحلي 20:16:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الملحد» مغالطة: «الكتابُ يُقرأ من عنوانه»!!

  مصر اليوم -

«الملحد» مغالطة «الكتابُ يُقرأ من عنوانه»

بقلم: فاطمة ناعوت

«نظرة»، عنوان إحدى أجمل قصص «يوسف إدريس». لو لم تكن قد قرأتَها، من فضلك أخبرنى: ماذا وصلك من عنوانها؟.. أغلبُ الظنّ سيمضى حدسُك فى اتجاه أنها «نظرةٌ» رومانسية حالمة بين حبيبين على ضوء الشموع. ولو كنتَ شخصًا عمليًّا، ربما ذهب عقلُك نحو «نظرة» استشراف المستقبل فى ظل الواقع الاقتصادى والسياسى والديموجرافى الجديد.

لكن من العسير، المقترب من المستحيل، أن يخطر على بالك أنها «نظرة» طفلة فقيرة نحيلة حافية تحمل فوق رأسها صاج فرن أكبر من حجمها، نحو كرة مطاطية طوّحتها فى الهواء أيادى أطفال سعداء يلعبون، بينما هى محرومةٌ من اللعب والمرح. «الشحاذ»، أجمل ما كتب العمدة «نجيب محفوظ» من روايات. لو أنك لم تقرأها، إلامَ يذهبُ خيالُك من عنوانها، وعلامَ تدور؟.

هل بطلُها شحاذٌ، والروايةُ ذات سمتٍ اشتراكى تدعوك إلى التعاطف مع الفقراء؟، وماذا لو أخبرتُك أن بطل الرواية محامٍ شهير ميسورُ الحال، وليس من بين شخوصها «شحاذٌ» واحد؟!، هل يمكن أن تتصور أن البطل الثرىّ فى لحظة عدمية وقنوط راح «يتسوَّلُ»، أو «يشحذُ» الشحاذةَ الروحية بحثًا عن: الشغف، الحقيقة، الأمل، السعادة، النغمة الهاربة من الحياة، الجدوى، الهدف.. وغيرها من المجردات غير المادية، التى من العسير أن «تُشحَذ»، أو «تُتسوّل»؟!!!.

«الجريمة والعقاب»، وهى من أواخر كلاسيكيات القرن ١٩ التى قد يُفضى عنوانُها إلى دلالاتها، ماذا تفهم من عنوانها؟. هل أراد «ديستويفسكى» أن يقول إن لكل جريمة عقابًا، أم إن ثمة مجرمين يُفلتون من العقاب، أم إن أبرياء ينالون العقاب بدلًا من المجرمين، أم إن العقاب النفسى أشدُّ وطأة على المجرم من عقاب القانون، أم ألف احتمالٍ واحتمال تحمله هاتان الكلمتان المبهمتان اللتان تشكلان «العنوان»، الذى لا يقولُ شيئًا قط، ولا ينبغى له أن يقول؟.

لابد أن «تقرأ» الرواية كاملة لتضع الإجابة!. لابد أن تشاهد الشخوص يتحركون وتسمع وجيبَ قلوبهم وتعايش همومهم وتشاركهم آمالهم لكى تقف على دلالة الرواية ومغزاها الفكرى أو الأخلاقى. جريمةٌ كبرى أن تتحدث دون قراءة أو مشاهدة. قبل قراءتك الرواية ليس من حقّك أن تفتح فمك لتنطق بحرف واحد عنها، سلبًا أو إيجابًا.

من أسوأ وأخطر وأقبح الأمثلة الشعبية التى تتداولُها الأفواهُ، والعقولُ للأسف، مقولة: «الكتاب يُقرأ من عنوانه»!. لا يا فندم، الكتابُ يُقرأ من عنوانه فقط فى قصص الأطفال وحواديت الجِنّيات؛ لأن عقل الطفل لا يفهم الإحالات والإزاحات والمجازات. رغم أن عقل الطفل أكثر اتساعًا ورجاحةً من عقول الكبار لأن عقلَ الطفلَ «نظيفٌ» لم يُلوّث بعد بالتراكمات والمغالطات والأكاذيب والمصالح وغيرها من أدران البشر.

الكتابُ أبدًا لا يُقرأ من عنوانه!. تلك مغالطةٌ «غير» منطقية حتى. حتى سور القرآن الكريم لا تعبّر عناوينُها عن مضمونِها إلا فيما نَدُر، فجزء «عمَّ»، لو لم تقرأه، ما كنتَ تدرك أنه أخذ اسمَه من مجرد «أداة استفهام» تستفتحُ سورة «النبأ» فى قوله تعالى: «عمَّ يتساءلون»، وهى جُماع: «عن ماذا». وسورة «الحديد» لابد أن تقرأها كاملة وتتأمل دلالاتها الجميلة لئلا يدورَ فى خلَدك أنها تتحدثُ عن معدن الحديد إلا فى شطر صغير من آية.. وهكذا.

مهزلةٌ كبرى أن يتكوّن الرأىُ العامُّ الشرسُ وتبرز أنيابُه ويرغى ويزبد ويغضب ويلعن ويُكفّر ويُزندق ويُهرطق ويطلق الرصاصَ على «عنوان» فيلم، لم يشاهده أحدٌ بعد، فيتمّ وأدَه فى مهده!. مهزلةٌ مخيفة لا تحدثُ إلا فى المجتمعات الظلامية التى أنامت عقولها أو وأدتها أو أعارتها إلى غيرها ليفكر بالنيابة عنها، دون أى نِيَّة فى استردادها!.

فيلم «الملحد» الذى تريدون رميَه بالرصاص قبل أن يتنفس، ببساطة سوف يعيش أكثر من قاتليه. ليس وحسب لأن الفيلم «يحاربُ الإلحاد» ويناقش ظاهرة خطيرة تجتاحُ المجتمع العربى بأكمله مثلما ناقش «الضيف»، و«صاحب المقام» ظواهرَ مجتمعية شديدة الخطورة، بل الأهمُ لأن المُصادرةَ على المواطن المصرى، ومعاملته كأنه «طفلٌ» غيرُ ناضج فاقدُ الأهلية، تحجبون عنه أفلامَ الكبار، أمرٌ مخجلٌ لا يليقُ بشعب عريق ومثقف مثل الشعب المصرى الذى شيّد حضارته على العلوم والفنون والفكر والفلسفة.

المصريون ليسوا قطعًا من الإسفنج الهشّ الأجوف تخشون عليهم من رذاذ التفكير والتدبّر، بل هم بشرٌ ناضجون مفكرون يعرفون كيف يميّزون بين الحق والباطل، الخير والشر، الإيمان والإلحاد. وأما محاولة وأد الفيلم بدافع «الشخصنة» الرخيصة لأن كاتبه مفكرٌ إشكالى وإصلاحى كبير بحجم «إبراهيم عيسى»؛ فليست إلا مغالطةً منطقيةً أخرى اسمها: «مغالطة رجل القش». ارفعوا أياديكم عن الإبداع، واحترموا «الإنسان» المصرى الجدير بالاحترام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الملحد» مغالطة «الكتابُ يُقرأ من عنوانه» «الملحد» مغالطة «الكتابُ يُقرأ من عنوانه»



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon