توقيت القاهرة المحلي 21:02:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«إفطار المحبة»... من حكايا دفتر المحبة (٣)

  مصر اليوم -

«إفطار المحبة» من حكايا دفتر المحبة ٣

بقلم: فاطمة ناعوت

هذا مقالى الثالث من «دفتر المحبة» الذى أسردُ فيه، طوال شهر رمضان المعظم، ومضاتٍ مشرقات تسطعُ من الجذور العميقة لشجرة المحبة الوارفة التى تظلل شعبَ مصر مسلمين ومسيحيين، وتحمى الوطنَ من رياح الفتن السامّة التى يُطلقها المغرضون بين الحين والحين، فترتدُّ سهامُهم إلى نحورهم. تلك الومضات الجميلة التى سوف أجمعها بإذن الله فى كتاب عنوانه: «حكايا المحبة التى لا تسقطُ أبدًا».

   اليوم أحكى لكم عن واحدة من عاداتنا الرمضانية الجميلة التى تتكرر كلَّ عام. أن نكسرَ صيامَنا ونتناول إفطارنا على مائدة «الكنيسة الإنجيلية» فى مدينة نصر على صوت الشيخ «محمد رفعت» يؤذن لصلاة المغرب. لم يُخلفِ القسّ د. «عزت شاكر» عهدَه بدعوتنا عامًا، ولم نُخلف أبدًا تلبية الدعوة الكريمة بكل فرح، ولم تُخلف عدسةُ التاريخ تسجيلَ هذا المشهد المبهج، الذى تحتشدُ فيه مصرُ بجميع أطيافها على مائدة واحدة تُقامُ على شرف حبّ الوطن، والتضامّ على قلب الإنسانية، وقداسة الإيمان بإله واحد؛ نصبو إلى نوره جميعًا، كلٌّ وفق معتقده وإيمانه. يغمرُنا أذانُ المغرب بدفئه، فيصطفُّ رجالُ الأزهر الشريف والمسلمون من أعلام الفكر والسياسة فى ساحة الكنيسة لإقامة الصلاة، ثم نفطر مع أشقائنا المسيحيين على «مائدة المحبة».

نحن «مصريون» وكفى. نحن «إنسانٌ» وكفى. مظلّةُ الوطن الكريم تجمعنا، وسماءُ الإنسانية تُظلّلنا، وعينُ الله ترعى جمعَنا الطيب، وتلوّح لنا شمسُ الغروب قبل رحيلها تلويحةَ الرضا، وهى ترجو لنا صومًا مقبولًا وإفطارًا طيبًا وقلوبًا عامرة بالحب. هكذا أرادَ الله لبنى الإنسان: أن نتعدّد ونتعارفَ ونتآلف ونتحابَّ ونتوادَّ، نختلف ولا نتخالف لأن الاختلافَ ثراءٌ، والتخالفَ ويلٌ وفناء.

لا أشعرُ بالدفء فى إفطار رمضانىّ جماعى قدرَ ما أشعرُ به مع أصدقائى المسيحيين. لأن شهر رمضان لحظتَها يأخذ بُعدًا إنسانيًّا أشملَ وأوسعَ وأجمل. تظلّلنا مظلة «الإنسانية» الأرحبُ، ويكون جمعُنا على محبة الخالق العظيم، الذى شاء أن نتحابَّ ونُعمّر ونشيّد، لا أن نتباغضَ ونهدم ونقتتل.

قدّم «موشيه شاريت»، ثانى رئيس وزراء لإسرائيل، دراسةً تقول إن السبيل الأوحد للحفاظ على دولة إسرائيل، الناتئة كثؤلول مُتقيّح وسطَ الدول العربية الرافضة لها، هو تفتيت وحدة الدول العربية التى تضمُّ طوائف دينية متعددة، حتى تتشرذم إلى دويلات صغيرة متناحرة على أسس طائفية وعرقية: شيعة وسنّة فى العراق، علويون وسنّة وأكراد فى سوريا، مسلمون ومسيحيون فى مصر، فردَّ عليه «ديفيد بن جوريون»، أولُ رئيس وزراء لإسرائيل، قائلًا: «بوسعنا النجاح فى العراق وسوريا. ولكن فى مصر لن يُكتب لنا النجاح؛ لأن الكتلة الشعبية الصلبة فى مصر من المسلمين والمسيحيين من العسير تفتيتها». وأصابَ الصهيونىُّ الأكثرُ خبرةً ودراية بتركيبة الشعب المصرى العصيّة على الشقاق. وها هى المائدةُ الرمضانية الجميلة التى أجلسُ إليها الآن مع ابنى «عمر»، بدعوة من القسّ المثقف د. «عزت شاكر»، والوجوه المستبشرة بالرضا والمحبة من حولى، ورفعُ صلاتى المغرب والعشاء فى ساحة الكنيسة، تؤكد صحة كلام الصهيونى «بن جوريون»: المصريون كتلةٌ صلبة عصيةٌ على التصدّع.

ويتكرر هذا المشهدُ المتحضر كلَّ عام فى رمضان على أرض مصر الطيبة. فى أوقات الرخاء وفى الأزمات، فى زمان السلم وفى لحظات التوتر والإرهاب. يفتح المسيحيون كنائسهم لصلاتنا، ويولمون الولائمَ لإفطارنا. نصومُ رمضاننا ويصومون صوم القيامة، ونرفعُ للسماء وجوهنا معًا لندعو اللهَ أن يمدّ يده الطيبة ليحفظ مصر وشعب مصر العظيم، الذى لم يقبل بديلًا لدولة المواطنة والعدالة والتحضر والرقى الفكرى، ورفضَ بكل حسم رِىّ نبتة الإرهاب المسمومة، التى حاول المجرمون غرسها فى دُورنا وشوارعنا ومؤسساتنا وفى قلوبنا، ولم ينجحوا.

شكرًا على المحبة، التى لو غمرت جموعَ المصريين ما قدرت علينا شياطيُن العالم. وشكرًا للقيادة السياسية، التى أصلحت الفجوة الخاطئة بين أبناء الشعب الواحد. وشكرًا لكل مستنير يبنى الوطن ويكرّس وحدتنا ولا يسمح للشتات أن يخترق كتلتنا المصرية الصلبة. وشكرًا لأشقائنا المسيحيين، الذين يؤكدون لنا كل يوم أن «الله محبة» نهجٌ وحياة وفعلٌ وعمل، وليست عبارةً تُقال. «الدينُ لله والوطن لجميع أبناء الوطن».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«إفطار المحبة» من حكايا دفتر المحبة ٣ «إفطار المحبة» من حكايا دفتر المحبة ٣



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon