توقيت القاهرة المحلي 06:46:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة

  مصر اليوم -

الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة

بقلم : فاطمة ناعوت

الإنسانيةُ وقبولُ الآخر= النهوض والتنمية والحضارة. معادلةٌ منطقيةٌ بسيطة من الدرجة الأولى ولاشكّ فى صحتها الأبدية الأزلية: نظريًّا وعلميًّا وواقعيًّا وتاريخيًّا. فالدولُ التى تعانى من الأمراض الطائفية والوعكات العنصرية، تنفقُ دخلَها القومى وتحرقُ جهودَ أبنائها فى إصلاح التداعيات الناجمة عن تلك الصدوع المجتمعية الخطيرة والصراعات الدموية بين بنيها. بينما تنفقُ الدول الناجية من تلك الأدران ميزانيتَها وجهود مواطنيها فى التنمية والتطوير والنهوض والحضارة. أغمضْ عينيك أيها القارئ واستدعِ من خيالك أىّ بلد فى أىّ حقبة زمنية. ثم انظرْ إلى موقعها على سُلّم التنمية والاقتصاد والحضارة، ثم اطرحْ هذا السؤال البسيط: هل تعانى تلك الدولة من أى محن عنصرية أو طائفية؟ هل يعانى المواطنُ فيها من التمييز على أساس العرق أو العقيدة؟ ستجد الإجابة دائمًا عكسية. الدولُ المتطورة حضاريًّا واقتصاديًّا، لا يعترفُ مواطنوها بالتمييز العقدى أو العرقى أو الطبقى، بل يحيا الجميعُ تحت مظلة شاسعة من الأخوة الإنسانية التى تنهضُ بالمجتمعات. والعكسُ دائمًا صحيح.

يوم ٤ فبراير الماضى، الذى يحتفلُ فيه العالمُ سنويًّا «باليوم العالمى للأخوة الإنسانية»، الذى اعتمدته الأممُ المتحدة عقب توقيع البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف على وثيقة «الأخوة الإنسانية» فى مثل ذاك اليوم عام ٢٠١٩، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى إننا نحتاجُ، أكثر من أى وقت مضى، إلى قيمة الأخوة الإنسانية، وإن هذه المناسبة تذكّرنا بحتمية الحوار المجتمعى لفهم وتقبُّل الآخر، وتعزيز التعاون بين المواطنين لنبذ التعصب والتصدى لخطاب الكراهية، ونشر قيم التسامح والعدل والمساواة من أجل تحقيق السلام والاستقرار.

ومصرُ أولى دول العالم بقيم الأخوة الإنسانية والتسامح العقدى. فهى الأرضُ الوحيدة على هذا الكوكب التى فتحت قلبَها وذراعيها للأديان الثلاثة فى فجر مولدها. فعلى أرضها كلّمَ اللهُ النبىَّ موسى عليه السلام فى أرض سيناء، وكانت أرضُها الطيبة هى الملاذَ الآمن الذى استقبل السيدةَ العذراء وطفلَها السيد المسيح عليهما السلام حين هربا من الملك السفاح هيرودس، قاتل الأطفال فى أرض فلسطين، ثم فتحت مصرُ بابَها للإسلام منذ فجره الأول، لتجمعَ الرسالاتِ الثلاثَ فى قلبها. لهذا فمن الطبيعى أن تغدو مصرُ محطَّ أنظار العالم فى شيوع قيم التحابّ والتآخى والسلام بين أبنائها، ومن غير المنطقى أن تنبتَ بين ربوع مصر أزماتٌ طائفية أو خطابات كراهية أو سقطاتُ تنمّر وإقصائية. نحن أبناء الحضارة التى ابتكرت «قانون الإنسان» فى فجر التاريخ البشرى قبل صكّ مصطلح «الإنسانية» بأزمان وأزمان. نحن أبناء السلف المصرى الصالح الذى علّم البشريةَ كيف يكونُ الإنسانُ إنسانًا فابتكر قانون «ماعت» الذى سبق العالم تحضرًا وسموًّا ونبلًا، فما كان القوى يتجبّر أو يقسو، بل يمنحُ الضعيفَ من قوّته. فى اعترافاته الإيجابية والسلبية لحظة وفاته كان الجدُّ المصرى يقول: «كنتُ عينًا للكفيف. كنتُ ساقًا للكسيح. كنتُ يدًا للمشلول. كنتُ أبًا لليتيم. لم أتسبّب فى دموع إنسان. لم أتسبب فى شقاء حيوان. لم أعذِّب نباتًا بأن نسيتَ أن أسقيَه. لم أُسبّب البؤسَ لأحد.

لم أقتل ولم أحرّض على القتل. لم أتسبّب فى الإرهاب. لم أتكلّم بازدراء لأحد. لم أغضب دون سبب وجيه. ولم أسمح لغضبى بأن يتسبب فى الإيذاء». ذاك هو جدُّنا المصرى العظيم، الذى علينا أن نجهد ونرتقى ونطوّر من أرواحنا وثقافتنا وسموّنا وإنسانيتنا حتى نستحقَّ أن نكون حفدةً له.

فى كتاب «التطور الخلّاق»، يقول الفيلسوفُ الفرنسى «هنرى برجسون»: (الإنسانُ العادى ميال بطبيعته إلى موافقة الجماعة التى ينتمى إليها. أما العبقرىُ فيشعرُ أنه ينتمى إلى البشرية جمعاء. ولذا فهو يخترق حدودَ الجماعة التى نشأ فيها ويثور على العرف الذى يدعم كيانها وينبذُ الأغرابَ عنها. الإنسان الممتازُ يخاطبُ الإنسانية كلَّها بلغة الحب).

إن كنّا ننشدُ النهوض بمصرَ حقًّا، على المستوى الأخلاقى والاقتصادى والتنموى والحضارى؛ فعلينا أن نُعيدُ إلى ألسننا ومعاجمنا الكلمة الطيبة التى قتلناها فى أفواهنا، وأن نُعيدَ إلى قلوبنا قيمَ التراحم والأخوة والمحبة. دعونا نُصمت ألسنَ التباغض والبذاءة والتلاعن والتكفير والتنمّر والطائفية والمذهبية التى أثبت الواقعُ والتاريخُ أنها تدمّر المجتمعات وتقوّض الحضارات وتعطّل جميع محاولات النهوض والتنمية. دعونا نؤمن بالفعل لا بالقول بآية كريمة من القرآن الكريم تقول: «ألمْ ترَ كيف ضرب َاللهُ مثلاً كلمةً طيبة كشجرةٍ طيبة، أصلُها ثابتٌ وفرعُها فى السماء، تؤتى أُكُلَها كلَّ حين بإذن ربّها، ويضربُ اللهُ الأمثالَ للناس لعلّهم يتذكرون». «الدينُ لله، والوطنُ لمن ينشرُ قيمَ الأخوة الإنسانية بين أبناء الوطن».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon