توقيت القاهرة المحلي 19:12:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صديقتى.. الأطفالُ.. والشغف

  مصر اليوم -

صديقتى الأطفالُ والشغف

بقلم: فاطمة ناعوت

بيننا أميالٌ لا حصرَ لها، ولم نلتقِ أبدًا، على وعد بلقاء فى الربيع. جمع بيننا الشغفُ.. وجمع بيننا عشقُنا للطفولة.. وجمع بيننا الشغفُ بصناعة الجمال. شغفُها بأطفالها الكثيرين يشبه شغفى بصغيرى «عمر». هى الأمُّ الروحية لأطفال لا حصر لهم تبدأ أعمارُهم من شهور ستة وحتى السنوات الأولى من أعمارهم المشرقة. هجرت العمل بالحكومة الأسترالية بعد دوام يناهزُ ربع القرن، واختارَ لها الشغفُ أن تعمل مع الأطفال لكى ترسمَ لهم عوالمَ جديدة مليئة بالحب والحياة وصناعة الجمال. هى مديرةٌ لإحدى دور الحضانة «غير الربحية» فى سيدنى الأسترالية، تعيشُ طفولتَها مع الصغار من مختلف الجنسيات والثقافات، تُعلّمهم كيف يحبّون الله فيحبون خلقَ الله، لأن حبَّ الله لا يكتملُ، بل لا يبدأُ، إلا بحبِّ جميع خلق الله دون تمييز ولا عنصرية.

صديقتى مصريةٌ جميلة مهاجرة، لم تزر مصرَ منذ عقود ثلاثة. لكن عشقها للوطن يجعلها تتابعُ مصرَ وصحفَ مصر وكُتّاب مصر، فعرفتنى من مقالاتى، وتابعتنى من أقاصى الأرض فى هدوء وصمت، دون أن تكتب لى كلمة، ودون أن تسمح لى بمعرفتها.. إلى أن حدث واختفى دواءٌ ضرورى من بروتوكول علاج ابنى المتوحّد «عمر»، وهو Oxy Mind وتوقفت الشركة المنتجة له فى أمريكا عن صنعه. بعد يأسى من الحصول عليه، نشرتُ على صفحتى أسألُ الأصدقاء إن كان الدواءُ موجودًا فى أى دولة أخرى. وتجيّش القراءُ الأعزاءُ من كلِّ حدب وصوب لمساعدتى. كلٌّ يبحثُ عن الدواء فى بلد إقامته. لم أجد الدواءَ ولا بدائلَ له، لكننى حصدتُ عشرات القلوب الجميلة التى أوقفت حياتَها لمساعدة «عمر»، والبحث عن بدائل للدواء.

وفزتُ بصداقة هذه الجميلة التى أكتبُ اليومَ عن تجربتها الرائعة مع الأطفال فى الحضانة «غير الربحية» التى تديرها تحت إشراف الراهبات، وعن مشروع ريادى محترم تقيمه سنويًّا فى حضانتها بالشراكة مع المتاحف والجامعات فى مدينة «سيدنى»، حيث تجعل الأطفال يصنعون مع والديهم قطعًا فنيّة جميلة من الأشياء المهملة والمُلقاة. الفكرة الجميلة هنا ليس وحسب تحويل القمامة إلى قطع فنية، فتنجو البيئةُ من مخلفاتنا مع حصد الجمال، لكن الأهم هو مشاركة الآباء والأمهات مع الصغار فى المسابقة، فيرتبطُ الطفلُ مع والديه فى مشروع يستغرق أسابيعَ مشحونة بالعمل، فتتقاربُ الأرواحُ وتتواصلُ الأجيالُ وتنقطع حالُ الانفصال بين الطفل وأسرته. حتى إن أبًا كان منفصلا عن زوجته، انضم وشارك فى المسابقة مع الأم والطفلة، فحدث لمُّ الشمل الذى كان عصيًّا. تأخذ صديقتى الأطفالَ فى رحلات دورية للمتاحف وتصنع بهم معارضَ فنية فى شراكة مع «متحف الفن المعاصر» MCA فى أستراليا الذى تحمّس لعرض منتجاتهم القيمة على بساطتها. فتلك القطعُ الفنية لم يصنعها فنانون كبارٌ، بل صنعتها أكفٌّ صغيرةٌ لأطفال صغار تتفتح عيونُهم على الحياة وعلى الجمال وكيفية صناعته. هنا القيمة الرفيعة، وهنا الدرس القيّم.

فى تقرير مُصوّر عن التجربة، تحكى السيدة «جيل نيكول»، مديرة المتحف، عن مشروع صديقتى الذى بدأ عام 2019، وعن دراسة بحثية عُقدت بين المتحف وجامعة Macquarie University الأسترالية المرموقة والمعروفة بتوجهها البحثى وبرامجها التعليمية المبتكرة، تؤكد الأثر الإيجابى المذهل لمشاركة المعلمين والأسرة للأطفال، إذ ينشأ الأطفالُ فى صحة نفسية ممتازة، بعد اكتسابهم منتهى الثقة بالنفس حين يشعرون أنهم قادرون على صناعة الجمال وإنماء المجتمع والحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة، مثلهم مثل الكبار. وفى نفس التقرير تحدثت صديقتى عن شغف الأطفال بالمسابقة السنوية وجديتهم فى صناعة الجمال مع معلميهم وذويهم، وكيف أنهم لا ينامون الليل قبل يوم المعرض من فرط الشغف والسعادة بعرض منتجاتهم فى أروقة المتحف الأسترالى للفن المعاصر.

ولم تتوقف صديقتى عند مستوى تعليم الصغار صناعة الجمال المادى المتمثل فى لوحاتٍ ومنحوتاتٍ وتراكيبَ فنية جميلة من المهملات، بل انتقلت إلى المستوى الأعلى من التحضّر فى تعليمهم صناعة «الجمال المعنوى» والأخلاقى. علّمت أطفالها المشاركة فى الخدمة المجتمعية فيساعدون المسنين والأيتام والمرضى والمنكوبين. الأطفال فى حضانتها من جنسيات كثيرة وعقائد مختلفة وثقافات متباينة، لكن الإنسانية والتحضّر والحبَّ والشغف بصناعة الجمال المادى والمعنوى هو المظلة التى تجمعُ اختلافاتهم وترأب صدوعَ شتاتهم.

نسيتُ أن أخبركم أن شيئًا آخر يجمع بيننا هو حبّنا لزهرة الشمس Sun Flower التى تتبع النورَ أين توجّه، ونسيتُ أن أخبركم أن صديقتى الجميلة اسمها «أمانى غالى». أقول لها اليوم أشرقى كما زهرة الشمس، واجعلى الصغار يشرقون. وأهدى إليها هذه الكلمات:

 «زهرةُ الشمس»

ترفعُ أوراقَها البرتقالية

صوبَ السماء

فتمتدُّ خيوطُ الرحيق

لتشتبك بالسُّحب

وتصنع أرجوحاتٍ

تحملُ الصغارَ

إلى حدائق الفرح

حيثُ الإشراقُ

لا يخبو

والعصافيرُ

لا تنام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صديقتى الأطفالُ والشغف صديقتى الأطفالُ والشغف



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon