توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«ميتا» تسافرُ بكنوزنا إلى الماضي.. في حضرة «المتحف المصري»

  مصر اليوم -

«ميتا» تسافرُ بكنوزنا إلى الماضي في حضرة «المتحف المصري»

بقلم: فاطمة ناعوت

كان صغيرى «عمر» يجلس صامتًا وعيناه تنطقان بآيات الانبهار. هو لا يتكلم كثيرًا ليعبّر عن مشاعره؛ شأن «المتوحدين»، لكننى تعلمتُ قراءة أحاسيسه من عينيه، فأنا لستُ أمَّه وحسب، بل رفيقة مشوار حياته الصعب. نحن فى حضرة «المتحف المصرى» بالتحرير. نجلسُ أمام واجهته الرئيسية المهيبة، ذات اللون الوردى، ونحاول أن نتخيّل قلم الرصاص فى يد المهندس الفرنسى «مارسيل دورنيو» يجلسُ إلى طاولته المعمارية يرسم مساقطه الأفقية والرأسية ليخرج إلى الوجود هذا المتحف الفخم الضخم، ويُفتتح رسميًّا عام 1902 فى عهد الخديوى «عباس حلمى الثانى»، رغم أن قرار تأسيسه الفعلى بدأ قبل هذا التاريخ بنصف قرن فى عهد «الخديوى إسماعيل» بفكرة عالم الآثار الفرنسى «فرانسوا مارييت» العاشق لتراث مصر وحضارتها الفريدة. نحن إذن أمام صرح تاريخى مهيب هو أقدم متاحف الشرق الأوسط وإفريقيا، وأحد أعرق متاحف العالم، وأول مبنى فى العالم يُشيّد كمتحف، ومخصص بشكل حصرى وكامل لعرض الآثار المصرية. وأما أقدم متحف فى تاريخ البشرية فكان كذلك من نصيب مصر فى القرن الثالث قبل الميلاد، أسسه «بطليموس الأول» كجزء من «مكتبة الإسكندرية القديمة ببلوتيكا أليكسندرينا»، ومن اسمه Musaeum اشتُقت كلمة Museum التى تعنى الآن «متحف».

كان الحفل مهيبًا، بحضور وزير السياحة والآثار د. «شريف فتحى»، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات د. «عمرو طلعت»، ود. «على عبدالحليم» مدير «المتحف المصرى»، ود. «أحمد غنيم» مدير «المتحف الكبير»، وغيرهم من أبرز القيادات فى مجالات السياحة والآثار والتكنولوجية الرقمية، بالإضافة إلى ممثلين لشركة «ميتا» العالمية المؤسِسة لمنصّات التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، «إنستجرام»، «واتس آب». فى العيد رقم 122 لميلاد «المتحف المصرى»، كانت الهدية إطلاق «مشروع إحياء التراث المصرى القديم رقميًّا» عبر تكنولوجيا الواقع المعزز بالتعاون مع شركة «ميتا» Meta العالمية.

وأنت تتجول فى متاحف مصر القديمة ومعابدها تشاهد تماثيل الملوك القدامى وخوالد آثارنا الفريدة، كم مرّةً تمنيتَ أن ترى تلك الفرائد فى صورتها الأولى يوم نُحتت أو شُيّدت قبل أن تمرَّ عليها السنوات والعقود والقرون وعشرات القرون، فيتهدّم منها ما تهدّم، وتتقشّر عنها بعضُ ألوانها، أو يخفتُ بريقُها؟ صحيحٌ أن جزءًا من جمال الأثر، بل معظمه، يكمن فى هذا القِدم وذاك التهدُّم، وتلك الصدوع وهاتيك الشقوق التى شقَّها الزمانُ، لكن فضولَ الخيال الإنسانى يجعلنا نتوق لمعرفة الشكل الأصلى لتلك القطع الفنية فى صورتها الأصل قبل زحف الزمان وصروفه بكل ما يحمل من قساوة وعوامل تعرية. والحقُّ أن «ترميم» أى أثر قديم جريمةٌ كبرى لا يسامحُ فيها التاريخ. فنحن علينا الحفاظ على الأثر ومحاولة تأخير عوامل الهدم، لكن غير مسموح مطلقًا ترميمه أو إعادة بناء المتهدم منه؛ لأن هذا تزييفٌ وإفقارٌ لقيمة الأثر. لكن الخيالَ بوسعه أن يرمم ويُصلح دون أن يُحاسَب أو يقع تحت المساءلة. والتكنولوجيا الرقمية، والواقع المعزّز بوسعهم أن يحققوا من يتصوره الخيالُ الإنسانى الفنانُ. تلك هى فكرة هذا المشروع العظيم الذى يتم الآن فى شراكة مُلهمة بين وزارة السياحة والآثار المصرية، وشركة Meta العالمية. سوف تقفُ أمام تمثال الملكة «حتشبسوت» مثلًا، الرأس موجود والجسد أفنته السنواتُ. ابحث جوار التمثال الناقص عن «بار كود» صغير، وسلِّط عليه كاميرا هاتفك، فيفتح لك على منصة «إنستجرام» تصوّرًا دقيقًا ثلاثى الأبعاد للتمثال الكامل قبل التهدم، بكامل هيبته وألوانه الأصلية. بوسعك كذلك أن تدير التمثال 360 درجة لتشاهده من جميع زواياه مع كلمة بالعربية والإنجليزية تحكى لك تاريخ الأثر. أىُّ جمال هذا وأىُّ سحر!

هكذا ينتصرُ الخيالُ على الواقع، وهكذا تهزمُ التكنولوجيا الرقميةُ تصاريفَ الزمان، مع الاحتفاظ بأصالة القطعة الأثرية الخالدة واقعيًّا، لأن جزءًا أصيلًا من جمالها فى تهدمها ونُقصانها. بهذه الفكرة الذكية وذاك المشروع العملاق بوسعنا جمع الحُسنيين، والمزاوجة بين ما لا يجتمع من روائع: القِدم، والأصالة، الاكتمال والنقصان، التاريخ والمعاصرة. نعرفُ أن فى النقصان جمالاً وحسنًا، لكن شغفَ المعرفة يُغرينا بمشاهدة الاكتمال قبل النقصان. فنشاهدُ بعين الواقع ما نقُص، وبعين الخيال نشاهد أصلَه قبل النقصان.

وكانت ندوة ثرية بإدارة السيدة «شادن خلاف»، رئيس السياسات العامة لشركة «ميتا» بشمال إفريقيا، تحدث فيها السادة: «عمرو القاضى»، رئيس هيئة التنشيط السياحى، «هشام الديب»، مستشار وزير الاتصالات، «إيلينا بانوفا»، منسق الأمم المتحدة فى مصر، عن أهمية هذا المشروع الحيوى وانعكاسه على إحياء التراث المصرى والترويج السياحى والتعليم والبحث العلمى. وبعد الحفل شدت الفنانةُ المصرية الجميلة «كارين دانيال» على أنغام فرقتها أغنيات مسّت قلوبَنا، كان ختامُها «حلوة يا بلدى»، وفعلًا حلوة. شكرًا لكل يد تضع حجرًا فى بنيان نهضة مصر الخالدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ميتا» تسافرُ بكنوزنا إلى الماضي في حضرة «المتحف المصري» «ميتا» تسافرُ بكنوزنا إلى الماضي في حضرة «المتحف المصري»



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon