توقيت القاهرة المحلي 20:04:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المولد النبوى.. وطقس عروسة المولد

  مصر اليوم -

المولد النبوى وطقس عروسة المولد

بقلم: فاطمة ناعوت

  مازلتُ أذكرُ فى طفولتى لحظات اللهفة والترقّب التى تسبقُ خروجى مع أمى لشراء «عروسة المولد» استعدادًا للمولد النبوى الشريف، يوم ١٢ ربيع الأول من كل عام هجرى. فى الطريق إلى حىّ «العتبة الخضراء»، حيث محال بيع حلوى المولد، تزحفُ اللحظاتُ بطيئةً، كأنها الدهرُ الذى لا ينقضى. تتواثبُ عيناى من نافذة السيارة تمسحُ معالمَ الطريق، تستعجلُ الخُطى وتستحثُّ المسافاتِ أن تنكمش. وبين لحظة وأخرى ألتفتُ نحو أمى لأرمقُ يدَها على عجلة القيادة أرجوها همسًا أن تُسرع لئلا تسبقنى البناتُ الأخريات فى اختيار العروس الأجمل. وبعدما نصلُ إلى المحل المنشود، تبدأ لحظاتُ الحيرة تدورُ بعينىَّ بين الرفوف الكثيرة والعرائس المتراصّة فوقها لأختار عروسًا واحدة من بين عشرات الموديلات والأشكال والأحجام. تقول القاعدةُ: كلّما كان حجم العروسة أكبرَ، كانت تفاصيلُ ملامح وجهها أوضح، وفستانُها المزركشُ بورق الكوريشة الملون أكثرَ تعقيدًا وأبهى فى تعدّد طبقات الكرانيش زاهية البريق. ثم تأتى لحظةُ القرار والاختيار. لابد من حسم الحيرة الآن واختيار عروس على وجه السرعة. يحدث هذا بمجرد أن تنظر أمى فى ساعتها وألمحَ سيماءَ الضجر ونفاد الصبر على وجهها حين تقول بحسم: (يالّا اختارى عروسة عشان تأخرنا!). تتأجج الحيرةُ، فأشيرُ إلى هذه، ثم إلى تلك، ثم أتشبّثُ بتلك الهائلة التى تقفُ على الباب يُزيّن بها التاجرُ محلّه، فترفض أمى شراءها بحجّة أن تلك العروس أطولُ منى أنا شخصيًّا، ثم كيف سنحملها فى السيارة وهى بهذا الحجم الهائل، وأين سنضعها فى البيت و.. و.. و.. و..، ويُقاطعنا البائعُ فى هدوء وقد بدأ صبرُه هو الآخر فى النفاد قائلًا: (العروسة دى أصلًا مش للبيع يا هانم، دى ديكور للدعاية)، فأتنازلُ عن حُلمى الصغير صاغرةً، وأوافق على عروسة أصغر حجمًا. بعشقٍ، أحملُ عروستى بين ذراعى، وبحذرٍ أُجلسُها إلى جوارى على المقعد الخلفى للسيارة، ونبدأ رحلة العودة إلى البيت. هنا تبدأ لحظات القلق على الكنز الثمين. عيناى لا تبرحان عروستى، وقلبى يخفقُ مع كل مطّب فى الطريق خشيةَ أن تنكسر العروس والحلم. فأطلبُ من أمى أن تُخفضَ السرعةَ، بينما أتمنى أن تطير بعروستى إلى بيتها الجديد.

لحظاتُ الشغف والترقّب، لحظاتُ الاستعجال والحيرة، لحظةُ القرار والاختيار، ولحظات القلق على الكنز؛ ثم تأتى اللحظةُ الأصعب. المسابقة التى نُجريها نحن طفلات العمارة والحىّ بين عرائسنا لنرى مَن صاحبة العروس الأجمل والأكبر حجمًا والأكثر أناقةً والأوسع كرانيشَ. ثم يأتى الصبيان الصغار من أبناء الجيران للمشاغبة، يحمل كلٌّ منهم حصانًا يجلسُ فوقه فارس. ومع الحُصُن والفرسان، يحملُ الأولادُ «شرورَهم الصغيرة» حين يبدأون فى إزعاج البنات وإفساد لحظات مرحهن، بتكسير أجزاء من عرائسنا واختطافها وهم يتصايحون ويتضاحكون غير عابئين بدموعنا وصرخاتنا ونحن نرى عرائسنا تتكسّر وتتهاوى وتسقط عنها كرانيشُها وتيجانُها وأكاليلُ رؤوسها. ثم ننتبه، نحن البنات، أنه لا طائلَ من الدموع، وأن لحظة «الانتقام» قد أذنت، فنقرع أجراسَ الحرب. نصوّبُ سهامَ غضبنا نحو الفرسان وحُصُن الحلوى، ونبدأ فى تكسيرها والتهام ما تيسّر، مثلما فعلوا بعرائسنا. وبعد المعارك، نبدأ فى الضحك جميعنا، فيما نلتهمُ قطع الحلوى المصنوعة من عسل النحل والنشا، من يد العروس هذه أو رأس الحصان ذلك أو عنق الفارس ذاك.

كبرنا وكبرت لحظاتُنا وثقُلت همومُنا وصنع اللهُ من أجسادنا عرائسَ جميلة وفرسانًا حيّة من الأطفال أحلى من السكر. ولكن أطفالنا لم يعبأوا بعرائس المولد ولا فرسان الأحصنة. لا يطلبونها ولا اختبروا شغفَ طفولتنا على عتبات العروس والفارس فوق حصانه. كبرتُ وفهمتُ لماذا كانت أمى تتخلص من العروسة بعد المولد مباشرة، حماية لى من السكر المُضرّ جدًّا بالصحة. وصِرتُ مثلها أنفرُ من حلاوة السكر، وأقتربُ من «حلاوة المعاملة الطيبة» مع الآخر. تلك هى «حلاوة الإيمان المصفّاة». وحين حدثتنى مديرة منزلى عن غلاء سعر حلاوة المولد، قلتُ لها إياكِ وتلك السموم، وإن جاءتك علبة حلاوة تخلصى منها حفاظًا على صحتك. لكنها أخبرتنى أن خطيبة ابنها لابد أن تُهدى علبة حلاوة، وإلا عُيِّروا. ووجدتُ من العبث أن أشرح لها أن «حلاوة المولد» تقليدٌ لا علاقة له بالدين ولا بميلاد مولانا الرسول، وإنما هى عادة ابتكرها الفاطميون لجمع الناس على مشترك مبهج فى مناسبة دينية. لهذا أومأتُ برأسى موافقةً، والتزمتُ الصمت. كل عام وكل البشرية فى خير وفرح ومحبة وسلام. ومولد نبوى طيب على كل الدنيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المولد النبوى وطقس عروسة المولد المولد النبوى وطقس عروسة المولد



GMT 09:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 09:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 09:15 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد وقف إطلاق النار؟

GMT 09:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 08:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 08:44 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:28 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله
  مصر اليوم - قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
  مصر اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت

GMT 10:00 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إصبع ذكي يعيد حاسة اللمس للاصابع المبتورة

GMT 23:53 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مصمم مغربي يطرح تشكيلة راقية من القفطان الربيعي لموسم 2016

GMT 05:09 2015 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

توثيق ازدهار ونهاية مؤسس "داعش" أبو مصعب الزرقاوي

GMT 21:24 2017 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

5 مواقف فتحت النار على سهير رمزي بعد خلع الحجاب

GMT 05:22 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة موضة تقدم نصائح لارتداء فساتين الصيف خلال الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon