بقلم : فاطمة ناعوت
«الرذيلةُ دائمًا امرأة!». سنواتٍ وعقودًا ظلَّ السلفيون يحقنون الأدمغةَ بأفكار مشوشّة ومنقوصة وعنصرية حول «مفهوم الرذيلة». حتى «الذَّكر» شريكُ المرأة فى الإثم، لا يرِد عنه كلامٌ. فهو مُبرَّأٌ سلفًا. لن تجد فى كلامهم ما يُخرجُ الرذيلةَ والفحشاءَ والآثامَ عن «جسد المرأة». فالقذارةُ ليست رذيلة، ولا سرقةُ التيار الكهربائى ولا الرشوة ولا إهمال العمل ولا الاختلاس والقسوة والبلطجة وخيانة الوطن وجميع ما تُرتكب من كوارثَ مرعبةٍ كلّ نهار، وبعضُ مرتكبيها من أدعياء الشرف الذين يقتلون المرأة بزعم «الدفاع عن الشرف». تلك سماتُ النفاق الدينى والازدواجية الأخلاقية التى لوثت ثوبَ مصر مع دخولها فى عصر «التديّن الشكلى» منذ سبعينيات القرن الماضى. فمَن يقتلُ امرأةً بدعوى الشرف، هو فى أغلب الظن عديم الشرف (يسرق، يرتشى، يخون، يبلطج، يقسو... إلخ)، ويدارى ما سبق من بلاءات بالانتقاص من شرف المرأة. معادلة قديمة ومستهلكة ومكشوفة ورخيصة. تكلم عنها الفيلسوف أرسطو فى كتابه «فن الشعر»، فصرنا نسميها: «التطهّر الأرسطى»، لأنها ظهرت كثيرًا فى تراچيديات المسرح الإغريقى فى القرن الرابع ق.م. فالمجرمُ يدارى جرائمه فى جرائم الآخرين، فيشعرُ بالراحة و«التطهّر الزائف»، فيكون بوسعه الاستمرار فى الحياة دون تأنيب ضمير. إذا تحرش «ذَكَرٌ» بامرأة؛ فالمرأة هى المخطئة بسبب ملابسها المكشوفة. فإن كانت الضحيةُ محجبةً أو منتقبة، عاد السببُ إلى أى امرأة غير محجبة موجودة فى الحياة. ذاك هو عُرف السلفى والإخوانى. هذا ما وضح جليًّا فى واقعة مقتل سيدة مدينة السلام، سواء ألقاها مجرمون من الدور السادس، أو انتحرت هربًا من بطشهم؛ بعدما اقتحموا بيتها متوعدين.
عبارةٌ كوميدية كتبها العظيم «لينين الرملى»، وجسّدها مايسترو المسرح «محمد صبحى» فى مسرحية «وجهة نظر». قال الشيخُ الضريرُ لزملائه العميان: (المسلسلات كلها عُرى وإباحية. الحمد لله الذى جعلنا عميانًا لكيلا نراها. احذرْ، الكلامُ عن النساء حراااام! صدقونى، إذا انطفأ النور، تساوت كلُّ نساءِ الدنيا. ومن نِعم الله علينا؛ أنه أطفأ نورَ أعيننا حتى لا تفتنا النساء. يا إخوانى، النسااااءُ فِتنة. الأموااااالُ فِتنة. الطعااااامُ فِتنة). وفجأةً، يدق جرسُ المؤسسة مُعلنًا موعد وجبة الغداء. فنجد ذلك الشيخَ يصرخ بنفس الحماس السابق: (موعد الطعام، أفسحوا الطرررريق). وكان هو الأسرعَ ركضًا، من بين رفاقه العميان، نحو قاعة الطعام (الفتِنة).
أتذكّر دائمًا هذا المشهد الهزلى (الواقعى جدًّا) كلما سمعتُ تصريحًا لأحد «رجالات» حزب النور السلفى، أو الجبهة السلفية أو الجهادية أو التكفيرية أو الإخوانية أو تيارات الإسلام السياسى كافة. أولئك هم أشاوس التكفير وتصديع الأوطان وتسويد القلوب وتمزيق الأرواح وتلويث الصدور وتسميم العقول، الذين لوّنوا سماء مصر الناصعة بغيوم البغضاء والشتات والشهوات. الهوسُ الَمَرضىّ بالمرأة جعلها السببَ فى كل موبقات الأرض. فالمهووس بالمرأة لا يتوقفُ عن ذمّها وتحقيرها والنيل منها، وهو بهذا يمارس «التطهّر الأرسطى» Catharsis. فاللصُّ، لا يتوقف عن انتقاد السرقة وادّعاء الشرف، لأنه يشعرُ أن الناس جميعًا يعرفون أنه لص، فيعالج هذا بأن يلبسَ ثوبَ الأمانة بانتقاد اللصوص. والبغىّ الساقطة تبالغُ دائمًا فى انتقاد البغاء وسبّ الساقطات لكى توهمَ الناس بشرفها غير الموجود. أولئك الذين يوهمون الناس بأنهم أكثرُ الناس تُقًى وإيمانًا، وأنهم حُرّاس السماء على الأرض، أرسلهم اللهُ لكى يرسموا لنا طريق الهداية بالحديد والنار، فيكفروا هذا ويقتلوا تلك، ويحرّموا أمرًا (قد يفعلونه سرًّا). فإن انكشف أمرُهم راحوا يُفصّلون فتوى جديدة (تناقض الفتوى الأولى) لكى تناسب جسدًا مترهلًا أعيت تشوهاتُه المقصدارات. أذكّركم بالأخ السلفى الشهير الذى صرخ على الشاشات مرارًا: (تهنئة المسيحيين فى عيدهم حرام، ومواساتهم فى موتاهم حرام) ثم ركض (سرًّا) إلى البابا تواضروس (قبيل الانتخابات) يواسيه فى وفاة السيدة والدته. ولما انكشف أمام الناس، همس فى خجل: (تجوز مواساةُ المسيحى من أجل إظهار سماحة الإسلام!) سماحةٌ لا تظهرُ إلا قُبيل انتخابات البرلمان، طمعًا فى أصوات المسيحيين! أدعياءُ التدين الزائف حرّموا الخروج ضد الرئيس مبارك فى ٢٠١١، لأن (الخروج على الحاكم حرام). ثم كانوا الأسرع ركضًا لمائدة الطعام بمجرد أن سقطت الذبيحةُ وطاب لحمُها. ثم حرّموا الخروج على مرسى ووقفوا مسلحين ضد الشعب فى موقعة «رابعة»، وبمجرد سقوطه انهالوا عليه يُعملون السكاكين والسواطير ليلتهموا لحمه بدمه بعظامه، ونَسَوْا، ويظنون أننا نسينا، أنهم من هتفوا: (هييييييه بقى عندنا رئيس بدقن وبيصلى)، وكأن من سبقه من رؤساء، منذ محمد على بك الكبير، وحتى مبارك، كانوا كفار قريش ويهود بنى قريظة وأبرهة الأشرم ومُسيلمة الكذاب! «الدينُ لله، والوطنُ لمَن يخافُ على الوطن».