توقيت القاهرة المحلي 02:53:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كتاباى الجديدان.. وحدوتةُ الحاج «مدبولى» (1)

  مصر اليوم -

كتاباى الجديدان وحدوتةُ الحاج «مدبولى» 1

بقلم: فاطمة ناعوت

قبل أيام صدر لى كتابان جديدان: «صهواتُ الخيول»، و«محاكمةُ القمح»، عن دار «مكتبة مدبولى» العريقة. وهذا المقالُ ليس عن الكتابين، بل عن الاسم الثقيل: «مدبولى»، «الرقم الصعبُ» فى دنيا الكتب وعالم النشر، والذى يعرفه كلُّ قارئٍ وكاتبٍ وباحث أكاديمى، مصريًّا كان أو عربيًّا؛ بوصفه: «فكرةً»، أو «حدوتة مصرية خاصة»، أو «حالة» فكرية ثورية تنويرية، لا تشبه إلا نفسَها. «مدبولى» ليس مجرد اسم لمكتبة شهيرة تشرقُ مثل بلّورة ساطعة فى قلب ميدان «طلعت حرب»، بل هى مؤسسةٌ ثقافية تنويرية ونضالية، لها تاريخٌ قديم انطلق من منتهى البساطة إلى منتهى العمق، حتى صارَ حكايةً شجيّة يحكيها الأبُ لابنه، والأستاذُ لتلاميذه، ويتناقلها الكبارُ إذا ما لمحوا فى صغارهم بوادرَ الشغف بالقراءة أو الكتابة.

«محمد مدبولى»، الشهير فى الوسط الثقافى بـ«الحاج مدبولى»، زار عالمنا عام 1938، ورحل عام 2008. وبين الرقمين سبعون عامًا من الكفاح الشاق مع الكلمة والفكرة، حتى صار أشهرَ ناشر وموزع كتب، فى مصر والعالم العربى. ونرصدُ أقوالًا خالدة لحُكّام عرب ومسؤولين كبار، فى مناسبات ثقافية مثل افتتاح معارض الكتاب ببلادهم، أقرّوا بأنهم نهلوا معارفهم من «مكتبة مدبولى»؛ مثلما تعلموا ودرسوا فى «جامعة القاهرة». وأضافوا أنهم فى سنوات دراستهم كانوا أحيانًا يستعيرون الكتبَ ولا يدفعون مقابلها، ريثما تصلهم الحوالاتُ المالية من ذويهم. وكثيرًا ما يقول المثقفون العرب إن زيارتهم لمصر لا تكتمل إلا بزيارة المكتبة: «نأتى إلى القاهرة لنستمتع بالنيل، والأهرامات، وصوت «أم كلثوم» فى دروب وطنها، ولابد أن يكون الختام زيارة «مكتبة مدبولى»، لنحمل كنوزَ الكتب فى رحلة العودة».. هكذا صارت «مكتبة مدبولى» من علامات مصر السياحية ومعالمها «التراثية المتجددة». وأعلم أن الكلمتين السابقتين لا يجوز جمعُهما: «تراثية- متجددة»؛ فهما ضدان لا يتصالحان. فالتراثُ تراثٌ لثباته، والتجديد ضدُّ الثبات. لكن الضدين يجتمعان حال الكلام عن «مكتبة مدبولى»، لأن شأنَها شأنُ الفكر الحر المتجدد خصيم الثبات. فالمكتبةُ عطفًا على المعرض الضخم الكائن فى العمارة المجاورة للمكتبة، تتبدّلُ فيهما عناوينُ الكتب كلَّ يوم، فتحلُّ الإصداراتُ الجديدة محلَّ القديمة، فى حضن أمهات الكتب؛ التى تحرصُ المكتبةُ على توزيعها حتى وإن لم تكن هى ناشرَها. ذاك أن صاحبها الراحل، ومن بعده حامل مشعله الراهن الابن المهندس «محمود مدبولى»، همُّهما الأولُ «نشرُ» الثقافة، بالمعنى الاعتبارى النبيل، وليس وحسب «نشرَ» الكتب بالمعنى الحرفى المادى للكلمة. فسوف تجد على الرفوف كتبًا ودواوينَ للحلاج والسهروردى وجلال الدين الرومى وابن عربى والمتنبى والجواهرى والسياب ودرويش، إلى جوار إصدارات المكتبة لشباب الأدباء الذين تراهنُ الدارُ عليهم بعدما تقرأ مخطوطاتِهم لجانٌ استشارية متخصصة مكونة من كبار الأدباء والمفكرين الذين يتعاونون مع المكتبة احترامًا لاسمها الكبير وتاريخها الجليل.

بدأت رحلةُ كفاح «الحاج مدبولى»، بعد «الحرب العالمية الثانية»، منذ كان صبيًّا فى السابعة من عمره يساعدُ والدَه فى توزيع الصحف والمجلات العربية والأجنبية على أماكن المثقفين ومجالس الجاليات الأوروبية والدوائر الأرستقراطية المنتشرة فى مصر آنذاك. ثم شرع مع الخمسينيات فى توزيع الكتب والروايات تلبيةً لمطالب المثقفين، فعرف طريقه لدور النشر العريقة فى بغداد وبيروت ودمشق، وراح يستورد جديدَهم فى الأدب والفلسفة، وراح يطالعُ ويقرأ، بعدما علّم نفسَه بنفسِه، لكى يتعرف على نبض الحراك الثقافى وذائقة القارئ، حتى صار مع الوقت خبيرًا فى فنّ تذوّق الكتب، وتكوّنت لديه مَلكةُ «تشريح الكتاب» ومعرفة خباياه، فغامر ودخل مضمارَ طباعة الكتب ونشرها، حتى صارت «مكتبة مدبولى»: «بورصةَ الكِتاب، وبوصلة القارئ»، كما قال مثقفون وباحثون عرب فى كتاب «الحاج مدبولى.. قصة كفاح».

اختطفه شغفُ الحرف والكلمة، وهو «شَرَكٌ» لو تعلمون عظيم! إن اختطفت حبائلُه إنسانًا؛ ما عاد قادرًا على الهروب والفكاك. وهو ذاتُ «الشَّرَك النبيل» الذى اختطف نجلَه الأصغر «محمود مدبولى»، الذى حمل مشعلَ والده «الحاج مدبولى» بعد رحيله، رافضًا أن يزوى هذا النجمُ الساطع فى قلب القاهرة، بل راح يفتتحُ فروعًا جديدة لمكتبات مدبولى فى عواصمَ عربية أخرى، لكى تُشرقَ شمسُ مصرَ فى مشارق الدنيا ومغاربها. ولابد أن أعلن فخرى بزميل دراستى، المهندس «محمود مدبولى»، ليس فقط كونه ابنَ «هندسة عين شمس»، و«قسم العمارة» مثلى، بل لأنه حافظَ على إرث أبيه العظيم، وغامرَ باستكمال مشواره الشاقّ فى طباعة ونشر الكتب، فى مجتمعاتٍ ليست القراءةُ، للأسف، من أولوياتها! فكأنما يبيعُ «سِلعةً بائرةً»، فى ظلِّ ارتفاع أسعار الورق وحرصه على الطباعة الأنيقة كما يليق باسم المكتبة العريق، تخسرُ أكثرَ مما تكسب!! لكن كسبَ «المال» يتضاءلُ أمام قيمة «المعرفة».

فى مقالى القادم «يوم الإثنين» بإذن الله أستكملُ معكم أسرار حدوتة «الحاج مدبولى».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاباى الجديدان وحدوتةُ الحاج «مدبولى» 1 كتاباى الجديدان وحدوتةُ الحاج «مدبولى» 1



GMT 12:03 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 10:11 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الساحة عربية... والميدان غريب

GMT 10:10 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الحرب ضد «حزب الله» تستهدف نفوذ إيران في لبنان

GMT 10:08 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

أصيلة... مدينة تحتضن قارة

GMT 10:06 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عن الصمعان... مسيرة من العمل العلمي

GMT 10:05 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

كوتس المخيف

GMT 10:04 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

قيادة إيرانية لـ«حزب الله»!

GMT 09:49 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

قبول الجمهورية

النجمات يتألقن في فساتين سهرة ذات تصاميم ملهمة لموسم الخريف

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:02 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

سترة كيت ميدلتون الأكثر مبيعاً بعد إطلالتها الأخيرة
  مصر اليوم - سترة كيت ميدلتون الأكثر مبيعاً بعد إطلالتها الأخيرة

GMT 21:03 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مثالية للهروب من صخب الحياة اليومية
  مصر اليوم - وجهات سياحية مثالية للهروب من صخب الحياة اليومية

GMT 20:39 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طرق دمج لوحات الفن التجريدي بديكور المنزل لخلق جوّ هادئ
  مصر اليوم - طرق دمج لوحات الفن التجريدي بديكور المنزل لخلق جوّ هادئ

GMT 23:59 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله يعلن إطلاق "مرحلة جديدة" في المواجهة مع إسرائيل
  مصر اليوم - حزب الله يعلن إطلاق مرحلة جديدة في المواجهة مع إسرائيل

GMT 14:40 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وسيلة لمنع الحمل قد تزيد من خطر تعرض النساء لسرطان الثدي
  مصر اليوم - وسيلة لمنع الحمل قد تزيد من خطر تعرض النساء لسرطان الثدي

GMT 22:35 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

إنجي المقدم تعود إلى الدراما بعد غياب 3 سنوات
  مصر اليوم - إنجي المقدم تعود إلى الدراما بعد غياب 3 سنوات

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

GMT 00:04 2024 الإثنين ,05 آب / أغسطس

الزمالك يتعاقد مع عمر عزب لاعب كرة السلة

GMT 20:17 2020 الإثنين ,17 شباط / فبراير

مؤشر البورصة العراقية يغلق على ارتفاع

GMT 05:06 2019 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على المواصفات والعيوب الشخصية لمواليد "برج القوس"

GMT 13:50 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية اختيار ديكورات أسقف مطابخ منزلية عصرية

GMT 12:34 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق فعاليات مؤتمر الإفتاء الخامس بمشاركة علماء 85 دولة

GMT 06:19 2019 الأحد ,07 تموز / يوليو

رسمات أيلاينر مقوس بأسلوب عصري لصيف 2019

GMT 21:06 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

علاء مبارك ينشر مقطع فيديو مؤثر عن والده

GMT 22:43 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة لهيفاء وهبي تُثير الجدل على "إنستغرام"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon