توقيت القاهرة المحلي 10:22:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماذا علَّمنى أبى.. وأبى؟

  مصر اليوم -

ماذا علَّمنى أبى وأبى

بقلم - فاطمة ناعوت

هذا أبى.. علّمنى أبى أن أختصمَ، ولا أكره. أن أختلفَ فى الرأى، ولا ألعن ولا أبغض. أن أُساجِلَ خصومى فكريًّا، ولا أدعو على أحد بالموت والويل والعذاب. علمنى أبى ألا أتمنى الشرَّ لأى كائن حىّ، حتى لو آذانى أو ظلمنى. علّمنى أبى أن القوة فى العُلوّ والتسامى والتسامح، لا فى التصاغر والتدنّى والانتقام. علمنى أن أقولَ: «سلامًا» لمَن لا يستحقُّ المجادلة. علمنى أن أكون من «عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا». علمنى أن أُساجِل الأقوياء وليس الضعفاء والموتى. الضعافُ ليس لهم إلا المساعدة، والموتى ليس لهم إلا تمنِّى الرحمة والمغفرة. علّمنى أبى أن حبَّ الله رهينٌ بحبّ خلق الله، وأن الانتصارَ لحقّ المظلوم آيةٌ من آياتِ الله العليا. علمنى أن مَن يكره لا يحبُّ. ولهذا أفخر بأن «جهاز الكراهية» فى داخلى مُعَطلٌ ولا أسعى لإصلاحه. ولم أقبض على نفسى أبدًا متلبّسةً بالدعاء على أحد، مهما ظُلمت. فقط أدعو بأن يفصلَ الله بينى وبين الظالمين، وأن يكشف كيدَ الكذبة المنافقين.

هذا أبى المتصوف الجميل، الذى حلّت ذكرى رحيله أمس الأول فى ١٣ أغسطس، رحمه الله وأحسن مقامه. وغير أبى الجميل هذا، كان لى العديد من الآباء الروحيين، الذين تعلمت منهم الكثير مما لا نتعلمه على مقاعد المدرسة. منهم الفنان الجميل المثقف، والمتصوف أيضًا، «سمير الإسكندرانى»، رحمه الله. ومن مفارقات القدَر العجيبة أن يرحل «أبى الروحى» فى نفس يوم ذكرى رحيل أبى الحقيقى؛ فيتحوّل وجعُ اليومِ إلى وجعين، وأفقد أبى فى اليوم ذاته، مرتين. فى ١٣ أغسطس من كلّ عام أتذكّرُهما معًا، ولا أدرى عمَّن أكتبُ، فكلاهما غالٍ وكلاهما مُعلِّم، وكلاهما أبٌ، ولكليهما يدٌ بيضاءُ فوق هامتى. تعلّمتُ منهما أن الإنسانَ كلما نضج فكريًّا وروحيًّا ومكانةً، صار أكثر رهافةً وقدرة على الحبِّ والتسامح والعلوّ. «سمير الإسكندرانى»، صاحب إحدى أعظم الحناجر فى هذا الكون، شدا فى حبِّ مصر بخمس لغات: العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية، اليونانية، مازجًا النغمَ الشرقى بالغربى فى ضفيرة أنيقة، بحنجرة عزَّ نظيرُها؛ فكان المطربَ والكورالَ والمؤلف الموسيقى والموزّع، فى آن. كان الإسكندرانى جبلًا هائلًا من المواهب والعبقريات. وإلى جوار تلك المنح الإلهية، كان فارسًا وطنيًّا يعشقُ مصرَ ويفتديها بالعزيز الأكرم. لهذا رثَتْه المخابراتُ المصرية المحترمة يوم رحيله فى جريدة «الأهرام» بكلمات خالدة راقية: «.. الفنان سمير الإسكندرانى الذى قدّم لوطنه خدماتٍ جليلةً جعلت منه نموذجًا فريدًا فى الجمع بين الفنّ الهادف الذى عرفه به المصريون، وبين البطولة والتضحية من أجل الوطن».

قبل رحيل «سمير الإسكندرانى» عام ٢٠٢٠، أوصى أن يُصلَّى عليه فى «مسجد السيدة نفيسة»، رضى الله عنها، فقد كان لنفيسة العلم، كريمة الدارين، عاشقةِ مصرَ والمصريين، مكانٌ ومكانة فى قلبه، مثلما فى قلوب جموع المصريين. قُبيل الصلاة عليه، وقفتُ أمام نعشه أقرأ الفاتحة وبعضًا من كلماتٍ تطمئنُ بها القلوب، أنهيتُها بسورة «الفجر»: «يا أيتُها النفسُ المطمئنة ارجعى إلى ربِّكِ راضيةً مرضية فادخُلى فى عبادى وادخُلى جنتى»، ثم غلبنى البكاءُ، فإذا بصوته يشدو: «يا غُصنَ نقَا مُكلّلًا بالذهبِ، أفديكَ من الردَى بأمّى وأبى» جفلتُ، ونظرتُ إلى نعشِه، فإذا الجثمانُ الطيّبُ مُسجًّى فى كفنه الناصع صامتٌ لا يغنى. جاء صوتُه الشجىُّ من هاتفى لأن أغنياتِه هى نغماتُ رنين هاتفى الدائم منذ سنوات.

هذا «سمير الإسكندرانى» الذى عشقه المصريون مطربًا فريدًا، وبطلًا قوميًّا عرّض نفسه للتهلكة، حين تحدّى جهاز الموساد الصهيونى من أجل مصر، وهو بعدُ طالبٌ فى كلية الفنون الجميلة. حاولتْ إسرائيلُ تجنيدَه جاسوسًا على مصر مقابل ثروة من المال والمغانم، فداسها بحذائه وأخبر الرئيسَ «جمال عبدالناصر». وصدر قرارُ جهاز المخابرات المصرية بأن يتجاوب مع الموساد ويجاريه لكى نُحبِط أعمال الصهاينة. وبالفعل، استطاع «سمير الإسكندرانى» بذكائه وثقافته ووطنيته أن يصفع الموسادَ صفعةً تاريخية لا تُنسى، فكرّمه الرئيسُ جمال، فى ستينيات القرن الماضى، ومنحه لقب: «ثعلب المخابرات المصرية». وصنع بهذا نموذجًا للفنان البطل؛ الذى لم يكتفِ بالتعبير عن حبه لمصر بالغناء بصوته الذهب، بل أقرنَ الشدوَ بالفعل الوطنى الخطِر، وهو شابٌّ فى مقتبل العمر لم يُكمل العشرين.

أناشدُ الرئيسَ العظيم «عبدالفتاح السيسى» تكريم اسمه بوسام وطنى يليقُ بتاريخه المخابراتى الرفيع، وإطلاق اسم «سمير الإسكندرانى» على أحد شوارع القاهرة، وعلى أحد مدرجات «كلية الفنون الجميلة»، التى تخرّج فيها ودرَّس. رحم الله أبى وأبى وأحسن مقامهما.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا علَّمنى أبى وأبى ماذا علَّمنى أبى وأبى



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon