بقلم - فاطمة ناعوت
تحت هاشتاج #HappinessIsAChoice على أحد المواقع، وجدتُ هذه الإشراقات، ففكرتُ أن أترجمَها لكم؛ لما فيها من تجاربَ مفيدة لكل مَن يسير نحو الثمانين. سألتُ صديقًا تخطّى السبعين عن التحولات التى يشعرُ بها فى طريق الثمانين، فأرسل لى هذه السطور المشوّقة.
بعدما أحببتُ أمى وأبى، أشقائى، ثم أطفالى وأحفادى، وبالطبع أصدقائى، الآن بدأتُ أتعلم أن أحبَّ نفسى. أدركتُ أخيرًا أننى لستُ «أطلس»، والعالمُ لا يستندُ على كتفىَّ. الآن، توقفتُ عن مفاصلة بائعى الفاكهة والخضراوات. بضعة قروش أكثر أو أقل لن تحرق جيبى، لكنها قد تساعد إنسانًا فى سداد مصاريف مدرسة ابنته. الآن أمنحُ نادلة المطعم بقشيشًا إضافيًّا. حفنةٌ من المال قد ترسم الابتسامة على وجهها، بعد كدح اليوم لتؤمِّن حياتها؛ هى تحتاج إلى المال أكثر منى. الآن توقفتُ عن إخبار كبار السن بأنهم قد قَصّوا الحكاية نفسها من قبل مراتٍ ومرات، فتلك الحكايات التى يعيدون سردها تجعلهم يعودون إلى ذكرياتهم ويوقظون الماضى من رقاده. تعلمتُ التوقف عن انتقاد الناس طوال الوقت، فعبء جعل الناس كاملين ليس دورى فى الحياة. السلامُ النفسى أثمنُ وأهمُّ من الكمال. تعلمتُ أن أبتعد عن الناس الذين لا يقدّروننى، فربما هم لا يعرفون قيمتى، لكننى أعرف.
تعلمتُ أن أمنح المجاملات مجانًا، وبكرم. المديح والثناء من أكثر مُحفزات ضبط المِزاج، ليس فقط لمَن أقدم له الثناء، بل لى أنا. وبعض كلمات الثناء لا تخيب، تذكر أن تقول دائمًا: «أشكرك». فى هذه المرحلة من العمر، تعلمتُ ألّا أنزعج كثيرًا من كرمشةٍ فى قميصى أو بقعة فى الكرافات. الشخصية تتكلم بصوت أعلى كثيرًا من المظهر. اليومَ تعلمتُ أن أبقى هادئًا حين يحاولُ أحدُهم أن يغشَّ ليسبقنى فى «سباق الفئران» المحموم، فأنا لستُ فأرًا، ولم أعد فى سباق.
اليومَ لا أخجلُ من مشاعرى، فتلك المشاعرُ هى التى جعلتنى إنسانًا. تعلمتُ اليوم أن أُسقط الأنا والغرور فى مقابل ألّا أكسرَ علاقة أو صداقة، فالأنا والغرور والتكبر والذاتية قد تجعلنى وحيدًا معزولًا، بينما مع الصداقات أحتمى من غول الوحدة. تعلمتُ وأنا فى طريقى إلى الثمانين أن أعيشَ كلَّ يوم كأنما هو الأخير، فقد يكون الأخير فعلًا. اليومَ أفعلُ كل ما يجعلنى سعيدًا، فأنا المسؤولُ عن سعادتى، وأنا مَدينٌ لنفسى بالسعادة. بوسع الإنسان أن يكون سعيدًا متى شاء. فقط عليه أن يقرّر ويختار أن يكون سعيدًا.
■ ■ ■
انتهت كلماتُ الرجلُ، وأعودُ إليكم. بالتأكيد أتفق مع كثير مما قاله السائرُ نحو الثمانين، وأختلفُ مع بعضها. ولستُ موقنةً من ثباتى على ذاك الاختلاف حين أصلُ إلى محطته، إن كتبَ اللهُ لى عمرًا، أم يتحولُ الاختلافُ إلى اتفاق. لكننى واثقة أن كثيرًا مما ذكره الرجل علينا أن نصنعه فى كل عمر دون الانتظار إلى الجنوح نحو الثمانين والتسعين من أعمارنا. وأُضيفُ على ما سبق أن علينا أن نقدّم الحبَّ لكل الناس كلَّ يوم من أعمارنا. الحبُّ دون قيد أو شرط. الحُبُّ دون مصلحة ودون تمييز طبقى أو عِرقى أو طائفى، فالحبُّ دائرةٌ لا تنقطع. إن أحببتَ خلقَ الله فسوف يحبُّك اللهُ ويُلقى الحبَّ فى قلوب الناس نحوك؛ فيحبونك بدورهم. علينا أن نُسعد خلق الله حتى يمنحنا الخالقُ السعادةَ بالمقابل. اجعل أحدَ أهداف يومك أن تُسعد إنسانًا، ولو بابتسامة صغيرة لشخص قابلته فى الطريق ولن تراه ثانية. ابتسم له دون سبب ودون انتظار المقابل، فقد ورد فى الحديث الشريف عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله: «لا تحقرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق»، أى وجه بشوش مبتسم وديع. كُفَّ عن التجهم والغلاظة فى التعامل. وتذكر أيها المصرىُّ، سليلَ أعظم حضارات الأرض، أن أحدَ تعريفات الحضارة أنها رِقّةُ التعامل مع الآخر. لهذا من الجميل أن نتذكر وصايا الجد المصرى القديم، التى سطّرها فى قانون «ماعت»، فنكون عينًا للأعمى، وساقًا للكسيح، ويدًا للمشلول، وأبًا لليتيم، وألّا نتسبب فى دموع إنسان، أو عذاب حيوان، أو شقاء نبات بأن ننسى أن نسقيه، وغيرها من الوصايا الأربع والثمانين، التى علينا أن نعرفها ونمارسها. فى كل يوم من أيام أعمارنا، علينا أن نذوب عشقًا فى الله تعالى ونشكره على عطاياه الثمينة، فكلُّ شعيرةٍ دموية وكلُّ خليةٍ وكلُّ قطرةِ دماءٍ فى شراييننا معجزةٌ هائلة لا تصنعُها مصانعُ الدنيا، منحها الله لنا هديةً لنبصر ونسمع ونشعر ونتحرك ونشكره تعالى كما يليقُ بعليائه وجلال وجهه الكريم.