توقيت القاهرة المحلي 08:39:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قانون «الأخلاق».. عند الجدِّ الصالح

  مصر اليوم -

قانون «الأخلاق» عند الجدِّ الصالح

بقلم - فاطمة ناعوت

نحن أبناءُ الحضارة التى ابتكرت «قانون الإنسان» فى فجر التاريخ البشرى قبل صكّ مصطلح «الإنسانية» بأزمان سحيقة. نحن أبناءُ السلف المصرى الصالح الذى علّم البشريةَ قانون «الأخلاق» أو «قانون ماعت»، الذى سبق العالم تحضرًا وسموًّا ونبلًا، فما كان القوىُّ يتجبّرُ، بل يمنحُ الضعيفَ من قوّته. فى اعترافاته الإيجابية والإنكارية لحظة وفاته، كان الجدُّ المصرى يقول: «كنتُ عينًا للكفيف. كنتُ ساقًا للكسيح. كنتُ يدًا للمشلول. كنتُ أبًا لليتيم. لم أتسبّب فى دموع إنسان، أو شقاء حيوان». ذاك هو جدُّنا المصرىُّ، الذى علينا أن نجهدَ ونرتقى بأرواحنا وثقافتنا وإنسانيتنا حتى نستحقَّ أن نكون حفدةً له.

بدعوة طيبة من اللواء/ «وديد بطرس» لإلقاء كلمة لأعضاء «جمعية مصر الجديدة الثقافية»، فكّرتُ عن ماذا أتكلم. ولم أتردّد كثيرًا فى اختيار الموضوع، فاللواء/ «وديد» هو رئيس مجلس أمناء «مؤسسة السرب الصغير للتنمية» Little Folk، وهى مؤسسة غير ربحية نشأت عام ٢٠٠٩ تهدفُ لتوفير حياة أفضل لأطفال مصر وشبابها من «ذوى الهمم» فى المناطق المُهمَّشة والأقل حظًّا، عبر تنمية قدراتهم وتمكينهم ليصبحوا أعضاء فاعلين فى المجتمع؛ تماشيًا مع أهداف التنمية المستدامة مصر ٢٠٣٠، فاخترتُ أن أتكلم عن «قانون الأخلاق»، الذى أسّس حضارتنا المصرية العريقة الخالدة، والذى لولاه ما كانت مصرُ أمَّ الدنيا وغارسةَ حضارتها، فالإنسانيةُ، الأخلاقُ، الحضارةُ، مثلثٌ مغلقٌ مكتملٌ بذاته، إن اختلّ أحدُ أضلاعه، انهارَ من فوره، فالحضاراتُ العظمى لا تقومُ إلا على ركيزة «الأخلاق». و«الإنسانية» هى حجرُ زاوية «الأخلاق».

فى الفصل ١٢٥ من (كتاب الموتى) المكتوب بالهيروغليفية، واسمه الأصلى: (الخروج إلى النهار)، وهو أقدمُ كتاب فى التاريخ، وفى المتحف البريطانى نسخةٌ أصلية منه، ويضمُّ مجموعة من الوثائق الدينية والنصوص الجنائزية لتكون دليلًا للمتوفى فى رحلته إلى العالم الآخر؛ نقرأ ما يلى: «يقول المُحكّمون: (إن قلبَ الرجل بالحقيقة قد وُزِن، وروحَه وقفت شاهدةً عليه، وقد وُجِد لا تشوبه شائبةُ شرٍّ، ولم يأتِ بالأذى فى أعماله، ولم ينطق بلسان السوء حين كان على الأرض، ووجد صادقًا عند وضعه على الميزان العظيم)»، هنا يُمنح المتوفَّى لقب: «صادق القول»، التى تكافئ اليوم عبارة: «المغفور له»، فيُعيدون تركيبَ قلبه فى جسده المحنّط، ويُمنحُ ملابسَ بيضاءَ مشرقةً لكى يدخلَ الفردوسَ، ويُخصص له خدمٌ وحاشيةٌ يسمونهم «أوجيبتى» أى المُجيبين للمطالب.

وأما «ماعت» فهى ربَّةُ الحقيقة والضمير والعدالة، وكانت على هيئة امرأة جميلة تضعُ ريشةً على رأسها: ريشة الضمير. يقفُ المتوفّى ويُقرُّ باثنين وأربعين اعترافًا ثبوتيًّا: (كنتُ- فعلتُ)، واثنين وأربعين اعترافًا إنكاريًّا: (لم أكن- لم أفعل). ثم يوضع قلبُ المتوفى فى كفّة الميزان، وفى الأخرى توضع ريشة ماعت، فإن ثقُلَ القلبُ، كان مُحمَّلًا بالآثام وانتهى أمرُه بالعذاب الأبدى والفناء، وإن خفَّ القلبُ كان هذا دليلًا على أنه قلبٌ طاهرٌ متحررٌ من الخطايا، مستحقٌّ للفردوس. يحدثُ هذا فى ختام طقس المحاكمة الأوزورية التى يخضعُ لها المتوفى فى مصر القديمة بعدما تجرى محاسبتُه على جميع ما صنع أثناء رحلة حياته على الأرض من حسنات أو آثام. فإن كان صالحًا ينالُ البعث فى الحياة، وإن كان آثمًا يلتهم قلبَه وحشٌ اسمه «عمعموت» له رأسُ تمساح، وجسد أسد وفرس نهر، كما تخبرنا الميثولوجيا المصرية القديمة.

من الاعترافات الثبوتية: أنا أُشرّف الفضيلة. أنا أحبُّ جميع الناس. أنا أقدّر الجميل. أنا أنشرُ السلام. أنا أقدس الحياة، أحيا فى الحق، وأحترم جميع المعتقدات. أنا أتكلم بالصدق، وأُحسِن الظن. أنا أذكر محاسن الآخرين، وأتوازن فى مشاعرى. أنا أُعلى شأن العفّة. أنا أنشر الفرح. أنا أبذل قصارى جهدى فى العمل. أنا أتعامل بودٍّ مع الناس وأتسامح وأغفر وأُنصتُ للآراء المعارضة. أنا أرفضُ العبثية والسخرية والتنمّر. أنا أتكلم بحسن نية. أنا أحفظُ كرامتى، وأترقى. أنا لا أردُّ سائلًا وأتصدّق على الفقراء. أنا أحافظ على المياه ولا ألوث النهر.

ومن الاعترافات الإنكارية: لم أقتل، ولم أُحرّض على القتل، لم أتسبب فى الإرهاب. أنا لم أتسبب فى دموع إنسان. لم أظلم. لم أسرق. لم أحرم إنسانًا من حقّ. لم أستدعِ شاهد زور. لم أجرح شخصًا بالكلمات. لم أخدع ولم أتماكر. لم أحتقر أحدًا. لم أتنصّت على أحد. لم أطمس الحقيقة. لم أحكم على إنسان فى تعجّل وقسوة. لم أتسبب فى إتلاف يتعيّن إصلاحه جهد عمال أو سجناء. لم أغضب دون سبب وجيه. لم أتخذ اسم الله هزوًا. لم أتصرف بوقاحة. لم أكن مغرورًا. لم أُخِلّ بالتزاماتى اليومية. أطَعْتُ القانون ولم أرتكب الخيانة.

كان هذا «قانون الأخلاق» الرفيع، الذى عرفه أجدادنُا قبل نزول الأديان بآلاف السنين، والذى أنشأ حضارة مصر العظيمة، أعرق وأرقى حضارات الأرض.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون «الأخلاق» عند الجدِّ الصالح قانون «الأخلاق» عند الجدِّ الصالح



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon