توقيت القاهرة المحلي 08:07:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكراهيةُ.. رصاصةٌ مرتدّة

  مصر اليوم -

الكراهيةُ رصاصةٌ مرتدّة

بقلم - فاطمة ناعوت

لأننى أمٌّ لصبىّ جميل مصاب بـ«طيف التوحد»، فقد اشتركت في صفحات وجروبات خاصة بالمتوحدين، تتبادل فيها الأمهاتُ تجاربهن مع أطفالهن. بالأمس قرأتُ «بوست» لأمٍّ غاضبة تحكى عن سائق تاكسى قال لابنها: «يا حيوان!»، ثم فرَّ دون أن تقتصَّ منه، وتسأل: كيف يمكنها أن تأخذ حق ابنها؟، وتفاوتت التعليقاتُ ما بين الغاضبة والمُحسبنة والداعية على السائق بالهلاك، وأخرى تدعو الأمَّ للغفران وتجاوز الغضب. وكالعادة حين أصطدمُ بمثل هذه المحن، أهربُ إلى منطقة اطمئنانى الخاصة، فأجدُ سلواى في «الحب» لإيمانى بأن غيابه هو أصلُ جميع شرور العالم، دون استثناء. هو «القانون» الذي غرسه أبى في طفولتى، ويزداد إيمانى بصحته يومًا بعد يوم. أسمّيه «قانونًا»؛ وليس مجرد «نظرية» أو «فكرة»، لأن له مئات الأدلة الثبوتِية التي كوّنتُها عبر تجاربى وقراءاتى، حوّلت النظريةَ والملاحظة إلى قانون صارم. تأمَّلْ فكرة: «جميع شرور العالم سببها غياب الحب»، ثم حاوِل تطبيقها على كل ما مرَّ بك من شرور؛ سواء في حياتك الواقعية أو فيلم شاهدته أو حكاية سمعتها. على الأغلب ستُقرُّ معى بأن غياب الكنز الثمين الذي اسمه «الحب» هو سبب أزمات البشرية، بما فيها الفقر والمرض والظلم والطائفية والإرهاب والحروب وحتى الجوائح والكوارث التي صنعها الإنسانُ حين غفل عن حبّ الإنسان والطبيعة وركض وراء مصالحه الصغيرة. علينا أن نحذرَ غيابَ الحب من حياتنا؛ لأن هذا الغياب سوف يعقُبه غيابُ «الحق والخير والجمال» من الحياة، ثم لا يتبقى بعد ذلك إلا غياب «الحياة»؛ ذاتِها.

فإن قبضتَ على نفسك مُتلبّسًا بالكراهية، فاعلمْ أنك في خطر. مصدرُ الخطر ليس «مَن تكره»، إنما الخطرُ قادمٌ منك «أنت»، متوجهٌ صوبكَ «أنت»، فالبُغضُ رصاصةٌ مُرتدّة، ترتدُّ صوب قلبك، قبل أن تصل إلى خصمك. أنت اليوم تمثّلُ خطرًا داهمًا على نفسك!، ففضلًا عن أن الكراهية تُدمّرُ سلامك النفسى وتسبب خللًا في هرمونات جسمك وتقتل هرمون السعادة داخلك، وتجعلك ترى كل شىء من خلال غلالة سوداء من الحزن والغضب وعدم الرضا، إلا أنك كذلك مستعدٌ لارتكاب جميع الخطايا التي عرفها الإنسان لتغذية الوحش الساكن داخلك ولا يشبع: «البغضاء». لا تستثنِ أي خطيئة عن خيالك. لو توفرت لديك أدواتُ أي جريمة؛ فسوف تأتيها. أنت فقط رهن توفُّر ظروف مناسبة لارتكاب الخطايا. غيابُ الحب عن قلبك جعلك عبدًا أسيرًا للوحش الذي احتلَّ روحك، تعيش عمرك كلّه لتغذيه ولا يشبع، وتُرضيه ولا يرضى.

حاولتُ اختبار جميع خطايا البشر، فتحقّقت المعادلة دون استثناء، فحين تقتلُ؛ فلأنك لم تحب. وحين تظلم فلأنكَ لم تحبّ. وحين تكره؛ فلأنك أخفقتَ أن تحب. وحين تسطو على حقوق ذويك؛ فلأنك لم تُحب. وحين تكون أنانيًّا أو عنصريًّا أو طائفيًّا، فبالقطع قلبُك قد غاب عنه الحب.

«ظاهرة الحب لدى الإنسان» كان عنوان أحد صالوناتى الشهرية التي توقفت مع جائحة كورونا. واخترنا، أنا والفنان المتصوف الجميل «سمير الإسكندرانى»، الأب الروحى للصالون، «أم الغلابة» نموذجًا للحب لمناقشة حياتها. هي السيدة التي أحبّت دون شرط ودون انتظار مقابل لأن مَن أحبتهم لا يملكون أصلًا ما يقدمونه لها، ماديًّا ولا حتى معنويًّا، فهم أفقرُ وأغلب وأشقى من أن يقدموا أي شىء مما يقدمه الناسُ للناس. أحبت مرضى «الجذام»، الذين يفرُّ الناسُ منهم خشيةَ العدوى، لهذا يعزلونهم في منافٍ وجزر بعيدة حتى يموتوا وحيدين في صمت. احتضنتهم وحملت أطفالهم مقروحى الأبدان. قبّلتهم غير عابئة بالميكروب الخطير الذي يفتك بالجسد. حوّلت معبدًا هنديًّا يسمى معبد«كالى»، وهو إله الموت والدمار عند الهندوس، إلى دار لرعاية المصابين بأمراض لا شفاء منها حتى يتمتعوا بالحب والرعاية في أيامهم الأخيرة. أنشأت مئات من دُور الأيتام، جعلتهم يشعرون فيها كم هم محبوبون ذوو كرامة. وارتدَت طوال حياتها ثوبًا بسيطًا أبيض اللون مثل السارى الهندى، له إطار أزرق عند الكُمّين. وجعلت الراهبات القائمات على تلك الدُّور يرتدين مثلما ترتدى لكى يتعرف المحتاجون عليهن بسهولة، فيطلبوا منهن المساعدة. إنها الراهبة الألبانية الجميلة «الأم تريزا»، أم الفقراء والمجذومين واليتامى. وُلدت عام ١٩١٠، ورحلت عن عالمنا عام ١٩٩٧، بعدما نالت جائزة نوبل للسلام عام ١٩٧٩. عاشت تحاربُ عدوًّا واحدًا اسمه: «مرض نقص الحب». ولم تعترف بين كل ما نالت من ألقاب؛ إلا بلقب واحد هو: «أم الغلابة» لأن الغلابة هم أقربُ البشر إلى الله. النقية البتول، أحببتكِ دون أن أراك، كما أحبّكِ مليارات البشر في شتى أرجاء الأرض. ولأنك اخترتِ أن تغادرى عالمنا يوم ٥ سبتمبر، وهو موعد رحيل أمى إلى الله، فأنا أعزّى نفسى فيكِ مرتين. طوبى لكِ ولكل مَن تعلّم «الحبَّ» وعلّمه لكى يصل إلى الله

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكراهيةُ رصاصةٌ مرتدّة الكراهيةُ رصاصةٌ مرتدّة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon