توقيت القاهرة المحلي 07:44:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أطفالُ فلسطين.. درعٌ وجبهة!

  مصر اليوم -

أطفالُ فلسطين درعٌ وجبهة

بقلم - فاطمة ناعوت

أن يُقتَل طفلٌ فى حرب، فتلك قمّةُ المآسى البشرية التى يصنعها الإنسانُ فى حقّ أخيه الإنسان، منذ الأزل وإلى الأبد. أن يدفع طفلٌ حياته ثمنًا لصراع لم يصنعه ولم يكن سببًا فيه، بل ولم يصل بعدُ إلى سنٍّ يفهم فيها معنى الموت ومعنى الحياة ومعنى الحرب ومعنى الوطن، فذاك رأسُ الجنون وانعدام المنطق فى الحياة. الطفلُ، أىُّ طفلٍ فوق الأرض، منذورٌ للحياة. منذورٌ للعب، منذور للزهور والأراجيح وكراسات الرسم وحصص الموسيقى وتفتُّح العيون على المعارف. الطفلُ منذورٌ لضوء الشمس لا بريق الشظايا، منذورٌ لرذاذ المطر لا لوابل الرصاص المنهمر، منذورٌ لجبهة الفرح والحب لا جبهات الغضب والكراهية، منذورٌ لحضن الأمّ لا حضن الكفن، منذورٌ لدفء الأمان لا صقيع الخوف، منذور لإشراق اللون لا عتمة الركام والأطلال.

لكن أطفال فلسطين غير جميع أطفال العالم. لا ينطبقُ عليهم ما سبق ولا هم منذورون لما نُذر له الأطفالُ من نعومات الطفولة ودلالها وعذوبة سُكناها. بل حتى لم يعاينوا ما ينبغى أن يعاينه الأطفالُ من شعور فطريّ بالأمان داخل جدران البيت ودفء الأسرة أو على مقعد المدرسة. أطفالُ فلسطين منذورون للويل والشعور الفطرى بالتهديد. ثمّة غاشمٌ مُحتلٌّ يرفعُ إصبع التهديد أمام عيونهم البريئة التى بعدُ لم تتفتح على الحياة حتى تتفتح على الموت! تتبدّلُ الآية فى الكلام عن أطفال فلسطين. ترحلُ البراءةُ من عيون أطفال فلسطين لتحلّ محلها مسؤولية الذود عن الأرض! يرحلُ اللهو الطفوليُّ ليحلَّ محلّه العهدُ الصعبُ بتحرير الوطن! فى فلسطين يتحوّل كلُّ طفلٍ إلى مشروع شهيد بدلا من أن يكون مشروع حياة! ما أقسى ذلك على قلبّ كل أمٍّ لكل طفل فلسطينى! اللهم ارحمهم وارحمنا واجلُ عنهم هذا المحتلَّ الآثم الأثيم.

كتب لى القدرُ الطيبُ أن أزور «فلسطين» البهيّة عام ٢٠١٢، للمشاركة فى معرض «رام الله» الدولى للكتاب بدعوة من وزيرة الثقافة الفلسطينية آنذاك د. «سهام البرغوثى». زرتُ المدارس وتجولتُ مع الأطفال بين أروقة معرض الكتاب وقضيتُ معهم أيامًا لا تُنسى. كنتُ أحتضنُ الأطفال ثم أشخصُ فى عيونهم عساى أنجحُ فى قراءة المكتوب على جدار أرواحهم. أطفالُ فلسطين المحتلّة وطفلاتها مليحون ومليحاتٌ مثل كل أطفال العالم، ذوو وذوات ابتساماتٍ عذبة مثلهم مثل كل أطفال الدنيا، لكن شيئًا ما كان يسبحُ على صفحات العيون. شىء من الشعور بالتهديد ربما، غيابُ الأمان عن الإنسان لا يستقر داخل القلوب وحسب، بل يطفو على صفحات المآقى. هم يسكنون وطنًا لكن غاشمًا محتلا لا يُقرُّ لهم بهذا الوطن. وهذا الغاشمُ صهيونىٌ محتلٌّ جاثمٌ على صدر الوطن لا ينتوى الرحيل، وفوق احتلاله الوطن يحمل على كتفيه رشاشًا محشوًّا بالموت لا يطرحه آناءَ الليل وأطراف النهار، وكأنه يقرنُ الاحتلالَ بالتلويح بالموت!

فى مدينة «الخليل» ذهبتُ إلى مسجد «الحرم الإبراهيمى»، حيث يرقد جسدُ أبينا إبراهيم، أبِ الأنبياء. دخلنا عن طريق الأردن لكيلا تُوصَم باسبوراتنا بختم صهيون المحتّل. كنتُ أُدثّر عنقى بالحَطّة الفلسطينية (الكوفيّة) المكتوب عليها: «القدسُ لنا». وعند باب المسجد، فوجئتُ بـ ضابطة إسرائيلية راحت تنظر لى بتجهّم وتطلب منّى بخشونة أن أنزع الحطّةَ عن عنقى! اندهشتُ للغاية من هكذا طلب، فأفهمنى الرفاقُ الفلسطينيون أن هذه الحطّة تُثيرُ جنونهم كونها رمزًا للمقاومة الفلسطينية! حدّقتُ بغضب فى عينى الجندية ثم ابتسمتُ فى سخرية وقلتُ لها بالإنجليزية: (ياااه! كم أنتم ضِعاف! أنتم محتَلّون «مفعول بكم»، ولستم مُحتلّين «فاعل». الاحتلالُ يسكن قلوبكم. لهذا ترتعبون من قطعة قماش، لا حول لها ولا قوة! تخافون من «رمزٍ» للمقاومة، لأنكم تؤمنون أنكم لستم أصحاب قضية! إنه شعور اللصّ الذى يسرق ما ليس له! وبالمناسبة أنا مصرية ولستُ فلسطينية، والقدسُ لنا....) وكان الشررُ يتطايرُ من عينى الجندية الإسرائيلية مع كل كلمة من كلماتى وراحت تقترب منى والرشّاشُ بين يديها، ليس كما أمٍّ تحملُ وليدها، بل كوحش يبحثُ عن فريسة. وقبل أن يحتدمَ الموقفُ أكثر، وتتطور الأمورُ لغير صالحى، جذبنى الأصدقاءُ إلى داخل المسجد الإبراهيمى، بعدما نزعوا عنى الحطّة ودسّوها فى حقيبتى. وبالرغم من أننى كنتُ أتميّزُ غيظًا من نزعها ومن الموقف البائس، إلا أن شعورًا غامرًا بالفرح والانتصار راح يخفقُ بقلبى، إذ عاينتُ بنفسى ضعفَ بنى صهيون وهشاشتهم.

الحروبُ عمياءُ بكل أسفٍ، ليس بوسعها أن تتجنّب الأطفالَ حين تحصدُ الأرواح. لكن الخسيسَ يستهدفُ الأطفالَ كما فعل صهيونىٌّ لا قلبَ له مع الطفل الفلسطينى «محمد الدرّة» فى انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، حين طارده بالرصاص وأرداه شهيدًا! ويا تلاميذ غزّة علمونا.. فقد نسينا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أطفالُ فلسطين درعٌ وجبهة أطفالُ فلسطين درعٌ وجبهة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon