توقيت القاهرة المحلي 08:03:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غيابُ الرحمة عن وجه العالم

  مصر اليوم -

غيابُ الرحمة عن وجه العالم

بقلم - فاطمة ناعوت

العالمُ ليس بخير. الرحمةُ غادرت؛ وحين تُغادرُ الرحمةُ لا تترك وراءها إلا الويل والخراب. دائمًا ما أسألُ نفسى: «تُرى، هل العقيدةُ هدفٌ، أم وسيلة؟»، وأجيبُ سؤالى بما يرتاحُ له قلبى وعقلى: «أؤمنُ أن الدينَ وسيلةٌ للترقّى وبناءِ منظومة الأخلاق، فالله تعالى وجلَّ غنىٌّ عن عبادتنا أجمعين، إنما يريد منّا الرحمنُ: الصلاحَ والرحمة والجدّ والصدق والنظافة والسموّ والتحضر وإعمال العقل، فجاءت الشرائعُ لبناء وتكريس كل ما سبق. ودون ما سبق لا قيمة لطقوس دينية نؤديها بأجسادنا لأن الله غنىٌّ عنّا وعن طقوسنا». ذاك هو الدرسُ الذي تعلّمته مبكرًا من أبى رحمه الله، وسَيّر حياتى كلَّها منذ طفولتى وصباى وحتى اليوم، وسأظلُّ أؤمن به مهما كلفنى من مشاكل جمّة وسوء فهم حادّ بينى وبين المتعصبين من كل مِلّة ودين وعقيدة ومعتقد. لهذا أحبُّ كثيرًا الحديث الشريف: «مَن لم تَنْهه صلاتُه عن الفحشاءِ والمنكر، فلا صلاةَ له». والفواحشُ، في ميزانى الخاص، تبدأ من القسوة على نبتة صغيرة، أو ترويع طفل، أو إفزاع امرأة، قبل أن نصل إلى مراحل الفُحش القصوى من تقتيل العُزّل الآمنين من الأطفال والشيوخ والنساء. وربما يكون ذاك الدرسُ الصعبُ هو السبب في دخولى في معارك ومحن لا أول لها ولا آخر، ومازالت سببًا في تكدير حياتى من قِبَل المتطرفين الذين لا يرون في الحياة إلا أنفسهم، ولا يريدون أن يحيا سواهم.

ذلك الدرسُ النفيس تعلّمته من أبى المتصوّف الجميل، وتأكد لى من حوار قيّم قرأتُه دار بين عالِم لاهوت مسيحىّ برازيلىّ اسمه: «ليوناردو بوف»، وبين «دلاى لاما» رقم ١٤: «تنزين جياتسو»، الراهب البوذى والقائد الدينى الأعلى لبوذية التّبت. أقدم لكم الحوار القيم دون أن أفعل أكثر من ترجمة عن الإنجليزية، وفقط. ذاك أن في قراءته، وتأمُّل دلالاته، وحسب، تكمن الفكرة، ويُشرحُ الدرس الذي أرى فيه منجاةً للبشرية مما نعانيه اليوم من ويل ودمار وخراب.

يقول «بوف»: في نقاش مائدة مستديرة جمعت بينى وبين دلاى لاما، حول العقيدة والأخلاق، سألتُ لاما، في اهتمام حقيقىّ:

- يا قداستك، أىُّ العقائدِ الأفضلُ؟.

وظننتُ أنه سيقول: «بوذية التِّبت»، أو «الديانات الشرقية التي هي أقدم كثيرًا من المسيحية». على أن دلاى لاما صمتَ قليلًا، ثم ابتسم، ونظر إلىَّ في عينى مباشرة، وهو ما أدهشنى، إذ كنت أدركُ أن شيئًا من المكر مخبأ في سؤالى. ثم قال:

- «العقيدةُ الأفضلُ هي تلك التي تجعلك أقربَ إلى الله. هي تلك التي تجعلك شخصًا أفضلَ».

ولكى أخرج من حرجى، الذي سببته تلك الإجابةُ الحكيمة، سألُته:

- «وما هي تلك العقيدة التي تجعلُ الإنسانَ أفضل؟»، فأجاب:

- «تلك التي تجعلك: أكثرَ رحمةً، أكثرَ حساسيةً، أكثرَ محبةً، أكثر إنسانيةً، أكثر مسؤوليةً، أكثرَ جمالًا. العقيدةُ التي تفعل معك كل هذا تكون هي الأفضل».

كنتُ صامتًا، مأخوذًا بأعجوبة تلك الإجابة وحكمتها التي لا تُدحَض. وأكمل لاما:

- «لستُ مهتمًّا يا صديقى بعقيدتك، أو ما إذا كنتَ متديّنًا أم لا. الذي يعنينى حقًّا هو سلوكك أمام نفسك، أمام نظرائك، أمام أسرتك، أمام مجتمعك، وأمام العالم. تذكّر أن الكونَ هو صدى أفعالنا وصدى أفكارنا. وأن قانونَ الفعل وردّ الفعل لا يخصُّ علمَ الفيزياء وحسب؛ بل هو أيضًا قانونٌ يحكم علاقاتنا الإنسانية. إذا ما امتثلتُ للخير فسأحصدُ الخيرَ، وإذا ما امتثلتُ للشرّ فلن أحصد إلا شرًّا. ما علّمنا إياه أجدادُنا هو الحقيقةُ الصافية: سوف تجنى دائمًا ما تتمناه للآخرين، فالسعادةُ ليست شيئًا يخصُّ القدر والقسمة والنصيب، بل هي اختيارٌ وقرار».

وفى الأخير قال دلاى لاما:

- «انتبه جيدًا لأفكارك لأنها سوف تتحول إلى كلمات. وانتبه إلى كلماتك لأنها سوف تتحول إلى أفعال. وانتبه إلى أفعالك لأنها سوف تتحول إلى عادات. وانتبه إلى عاداتك لأنها سوف تكوّن شخصيتك، وانتبه جيدًا إلى شخصيتك لأنها سوف تصنع قدَرك، وقدَرُك سوف يصنع حياتك كلّها».

■ ■ ■

انتهى الحوارُ بين الرجلين، وأقول فيه إن القسوة على خلق الله ونكران حق أي إنسان في الحياة لا تدل إلا على فقر عنيف في الإيمان. العقائد قوية وصامدة ليس بالسيف والنسف والعنف والترويع، إنما بديمومة تحضرها وتحضّر معتنقيها ونظافة أرواحهم ومدى استقرار الرحمة داخل قلوبهم. كونوا سفراء جيدين لعقائدكم تضمنوا بقاءها، بدلًا من أن تحملوا سيوفًا تذودون بها عن مقدساتكم كأنها هزيلة تحتاج إلى مَن يسندها. لا تكونوا عكازات لعقائدكم، بل كونوا مرايا طيبة تعكس نصاعة إيمانكم وطهارة عقائدكم وسموّ أفكاركم. العالمُ بأسره بحاجة إلى وقفة جماعية ننظرُ فيها إلى وجه الله الرحمن الرحيم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غيابُ الرحمة عن وجه العالم غيابُ الرحمة عن وجه العالم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon