توقيت القاهرة المحلي 08:23:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف تولدُ الأخلاق؟ أكونُ أو نكون!

  مصر اليوم -

كيف تولدُ الأخلاق أكونُ أو نكون

بقلم - فاطمة ناعوت

ما تعريف الحضارة؟ دعونا نتأمل الكلمة، لنكتشف أنها تعود إلى الجذر اللغوى: «حَضَر» عكس «غاب». أى أن بشرًا قد حضروا إلى هذا المكان، وشيّدوا عمرانًا وحياة. وللحضارة مئاتُ التعريفات التى وضعها فلاسفةٌ ومفكرون على مدار التاريخ، منها: إن الحضارة حالةٌ متقدمةٌ لمجتمع إنسانى تجاوزَ فيها حالة الفوضى ووضع أسسًا تنظيميةً لحياة الناس، وفتح أمامهم مجالات تفكير وعمل لإنشاء العلوم والفنون واستحداث أسلوب أكثر راحةً وإبداعًا. ومنهم مَن قال إن الحضارة هى كلُّ ما يميز أمّةً عن أمّة من حيث العادات والتقاليد وأسلوب المعيشة والملابس والتمسك بالقيم الأخلاقية، وهى قدرة الإنسان فى كل حضارة على الإبداع فى الفنون والآداب والعلوم. وقال مؤسسُ علم الأنثروبولوجى الثقافى: «إدوارد بيرنِت تيلور» إن حضارة أى مجتمع هى كلٌّ معقّدٌ مكونٌ من المعرفة والعقيدة والأخلاق والفنون والتقاليد. وفى كتابه «قصة الحضارة» ذكر الفيلسوفُ والمؤرخ الأمريكى «ويل ديورانت» «أن الحضارة نظامٌ اجتماعى يعين الإنسان على زيادة إنتاجه الثقافى».

وبوسعى سرد مئات التعريفات المختلفة للحضارة، وجميعُها صحيحة. لكن دعونا نُشَرِّح معنى «الحضارة» بالإنجليزية: Civilization ونتأمل الجذر اللغوى للكلمة: Civil لنجد أن من معانيها: «مهذب، لطيف، مجامل، متمدّن». ولهذا فإن أكثر ما يميلُ إليه قلبى وعقلى من تعريفات للحضارة هو ما يقوله دائمًا أستاذى الجميل د. «وسيم السيسى»: «الحضارة هى رقّة التعامل مع الآخر». أى أن: «الحضارة هى الأخلاق».

دعونى أتجول بكم فى أرجاء العالم لنرسم ثلاث لوحاتٍ للحضارة بريشة الجمال والأخلاق. سنحطُّ رحالنا فى ثلاثة بلدان وأحكى لكم ثلاث قصص من «السويد»، «اليابان»، و«جنوب إفريقيا». وسأبدأ بالأخيرة.

- فى إحدى القبائل الإفريقية البدائية، قرر أحدُ علماء الأنثروبولوجى إجراء تجربة نفسية على مجموعة من الأطفال. أحضر سلّةً من الفواكه الشهية ووضعها جوار جذع شجرة. ثم أخبرهم بأن أولَ طفل يصل إلى الشجرة سوف يفوزُ بالسلّة كاملة. وحين أعطى إشارة البدء فوجئ بأن الأطفال لا يتسابقون، بل أمسكوا بعضهم البعض وساروا معًا نحو الشجرة صفًّا واحدًا، ثم أخذوا السلّة وتقاسموا الفاكهة فيما بينهم! وحين سألهم لماذا فعلوا هذا فى حين كان بوسع أحدهم أن يحصل وحده على سلّة الفاكهة كاملة؟ أجابوا فى صوت واحد: Ubuntu «إيبنتو»، وهى كلمة إفريقية تعنى: «مجموعة القيم والفضائل الإنسانية التى تؤمّن التراحم والمؤازرة»، ومن بين معانيها كذلك: «أنا أكون، لأننا نكون».

- ومن «السويد» أحكى لكم عن «القطار المجانى» فى محطات القطار والمترو. من بين ممرات الدخول الكثيرة التى لا تُفتح إلا بكود تذكرة المترو، يوجد ممرٌّ مجانى لا رسوم عليه ولا حراسة. ودائمًا ما تكون جميع الممرات مزدحمة بالمسافرين، بينما الممر المجانى شاغرٌ لا أحد فيه! ويحكى مهندسٌ مصرى عن اندهاشه من المشهد، فذهب إلى موظفة شباك التذاكر يسألها عن قصة الممر الشاغر. فأخبرته بأن هذا الممر لمن ليس لديهم نقود لدفع ثمن تذاكرهم. فسألها المهندس سؤالا منطقيًّا: «ماذا لو أن شخصًا يملك المال، واستغل هذا الممرَّ للتهرب من دفع الرسوم؟!»، فاندهشت الموظفة من السؤال المنطقى وأجابت بسؤال منطقى آخر: «ولماذا يفعل أى شخص هذا؟! كيف يكون معه مال ويدّعى أنه لا مال له، ويأخذ حقَّ شخص آخر محتاج؟!».

- ومن «اليابان» أحكى لكم عن لعبة «الكراسى الموسيقية» التى كنّا نلعبها ونحن صغار. وللتذكرة: فقد كانوا يضعون لنا تسعة كراسى ونكون عشرة أطفال. تنطلق المقطوعة الموسيقية وندور حول الكراسى، وبمجرد انتهاء المقطوعة نسارعُ بالجلوس على المقاعد، وبالطبع سوف يتبقى طفلٌ دون مقعد. هذا الطفل يخرج من اللعبة، ويخرج معه كرسى، حتى يظل دائمًا عددُ المقاعد أقلَّ من عدد المتسابقين بواحد. وتٌعاد اللعبة حتى يتبقى طفلان وكرسى. والفائزُ منهما هو الجالس. أما فى اليابان فيلعبونها بطريقة أخرى. تسعة مقاعد وعشرة أطفال أيضًا، لكنهم يقولون لهم: «عددكم أكبر من عدد المقاعد. فإن تبقى أحدُكم واقفًا، يخسرُ الجميع». ويحاول الأطفالُ احتضان بعضهم البعض حتى يجلسوا جميعًا على الكراسى المتراصّة. ثم يقللون عدد الكراسى تباعًا حتى الحد الأدنى الذى يسمح لهم بالجلوس دون مسافات. هنا يفوز الجميع، ويتعلّم الأطفالُ أن النجاحَ عمليةٌ مشتركة والأنانية تعنى الفشل.

من تلك القصص نستنتج لماذا تنهضُ الحضارات على ضفاف الأنهار، وليس فى الصحارى، مثلما نشأت حضارتنا العظمى على ضفاف النيل العظيم. لأن وجود الماء يشجّع على الاستقرار والزراعة. والزراعة تتطلب التعاون من أجل بذر البذور ورى الأراضى وحصد المحاصيل، وتلك فلسفة: «أنا وأنت»، بينما الصحراء شحيحة الماء تجعل الإنسان رحالا غير مستقر، يبحث عن آبار الماء. وكلما جفّت بئر بحث عن غيرها وقد يتصارع أو يقتل، من أجل الماء إن شحَّ: الفلسفة هنا: «أنا أو أنت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف تولدُ الأخلاق أكونُ أو نكون كيف تولدُ الأخلاق أكونُ أو نكون



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon