بقلم - فاطمة ناعوت
غيمةُ حزنٍ معتمة مرّت على وجه مصر الصبوح أمس الأول بعد استشهاد جنودٍ بواسل من قواتنا المسلحة فى غرب سيناء دفعوا أرواحَهم لحماية منشأة مصرية، استهدفها تكفيريون إرهابيون من أعداء مصر، ممن لا يستحقون لقب: «مصريون» الشريفَ. ولا تزال «الجمهوريةُ الجديدة» التى تعلو قامتُها يومًا بعد يومٍ تفتكُ بقلوب أعداء مصر حسدًا وتُصدِّعُ أرواحَهم حقدًا، فلا يجدون من متنفَس لهم إلا بعمليات إرهابية خرقاء تُفصحُ عن وجههم الأسود، الذى يزدادُ إعتامًا وقبحًا كلما ازداد وجهُ مصرَ إشراقًا ونورًا وتنويرًا. كلّما غرس الرئيسُ «عبدالفتاح السيسى» نبتةَ تنمية وحضارة وتنوير فى بقعةٍ من بقاع مصر، غُرِست فى قلب أعداء مصرَ شوكةُ حسدٍ وغلٍّ، تطفرُ دمًا دنسًا فى حقل الإرهاب. ومصرُ لا تنسى ثأرَها ولا تُغمض عينيها إلا على قصاصٍ حاسم من بلطجية الإرهاب، الذى يلفظ أنفاسَه الأخيرة والحمد لله، بعد سنوات من التصدى الجاد له من ثورة ٣٠ يونيو التنويرية. لكن مصرَ القويةَ التى لا تكسرُها نِصالُ ألفِ عدوّ وألف ألف خصيم، توجعُها شوكةٌ صغيرةٌ فى يد ابنٍ عاقٍّ من أبنائها المحسوبين عليها زورًا بحكم الميلاد والنشأة. فالأبناءُ البررةُ لا يغرسون أشواكَهم فى قلب الأم، تحت أى ظرف. فمن يعاونُ أعداءَ الوطن ويغرسُ شوكةً فى قلب مصرَ، إن هو إلا عدوٌّ خسيسٌ لا يستحقُّ شرفَ الانتماء لذلك الوطن.
والحقُّ أن التصدى الجاد «للإرهاب المسلح» يلزمُه صنوٌ لا ينفصلُ عنه ولا يقلُّ عنه أهميةً وحتميةً وهو التصدى الجاد «للإرهاب الفكرى» الذى يُفرِّخ كل يوم ضِباعًا من الإرهابيين المسلحين. ومازال أربابُ الإرهاب الفكرى آمنين فى كهوفهم ينفثون سمومهم فحيحَ فتاوى فاسدة على صفحات التواصل الاجتماعى وقنوات يوتيوب والفضائيات المشبوهة، ثم ينامون ليلهم مطمئنين، ليدبروا مكائدَ اليوم التالى فى سبيل إسقاط مصر التى لن تسقط أبدًا بإذن الله. تلك الفتاوى المفخخة التى تُكفِّر أبناء مصر وجنود مصر ورئيس مصر، يتلقفها مأفونون شاغرو العقل، فيهرعون إلى تفجير قطعة من قلب مصر هنا أو هناك، وهم يظنون جهلا وتغييبًا أنهم يرضون الله طامعين فى فردوسه! أولئك المغيبون ليسوا إلا «عرائس ماريونيت» خيوطُها فى أيادى محركيها من أرباب الفكر التكفيرى. «صانع» العرائس الذى يحركّها مازال فى مأمن من القانون للأسف. القاتل الحقيقى هو الذى مَن «أفتى» وليس «فقط» مَن ضغط الزناد.
الآن الآن، وليس غدًا، علينا مجابهةُ الفكر التكفيرى بكل حسم ومحاصرته فى جميع وسائل الإعلام والتعليم والتواصل الاجتماعى، وتغليظ عقوبة كل من يزرع الأفكار المسمومة فى عقول النشء الذى نرجو تنشئتهم على الوطنية والتحضر.
هل تذكرون الإرهابى الانتحارى «محمود شفيق» الذى شهد ذووه بأنه ليلة جريمته فى ديسمبر ٢٠١٦ استمع إلى فتوى بأن العمليات الانتحارية ضد أبناء مصر نصرٌ مبين للإسلام، وأن منفذها مصيره الجنّة بأنهارها وعسلها ولبنها وحور عينها؟ أرباب الإرهاب الفكرى مازالوا يملأون الصفحات قيحًا وصديدًا ويثرون من دم المصريين ويسكنون القصور من قوت بسطائها الذين آمنوا بهم فصدّقوا أن المصريين كفّارٌ مهدورة دماؤهم، فالمسيحيون مشركون بالله والمسلمون مرتدّون عن دين الله، ودمُ الجميع هدرٌ! أولئك هم القتلة الحقيقيون الذين يجب توقيفهم بتهمة التحريض على الإرهاب.
ثورة الشعب فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ لم تكن اقتصادية أو اجتماعية إنما كانت ثورة ثقافية تنويرية تمردت على التخلف والتطرف الدينى الذى أشهره الجماعات التكفيرية فى وجوهنا. كانت ثورة ضد السموم التى كان مشايخ الفتنة يبثونها فى عقول بسطائنا. والمغنم الرئيسى من تلك الثورة كان نجاة مصر من ويلات الفكر الجهادى التكفيرى الذى كان سيحول مصر إلى مركز من مراكز تصدير الإرهاب للعالم، كما سمعنا من تسجيلات أحاديث مرسى العياط مع أيمن الظواهرى وغيره من قيادات الجماعات. ولهذا، منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لا تدخّر قوى الإرهاب جهدًا لتحقيق هدفها فى كسر شوكة مصر بالإرهاب المسلّح، الذى يتلو الإرهاب الفكرى. فى مواقع التواصل الاجتماعى لا تتوقف قوى الإرهاب عن استلاب عقول النشء وتضليله حتى يتيسر تجنيده تحت لواء الإرهاب. وعلينا نزع فتيل تلك القنابل التى تسعى إلى تدمير عقول شباب المصريين.
اللهم أحسنْ مُقام شهدائنا الأبطال فى عليائك، وأحسنْ عزاءَ ذويهم، وعوّض مصرَ العظيمة عنهم خيرًا، وادحرْ بالخزى وجوه الإرهابيين أعداء الوطن العزيز، وسربلهم بأسمال الخسران المهترئة، وأذقهم من كأس الوجع كما يفعلون بنا نحن أبناء مصر. «ولا تَحسبَنّ الذين قُتلوا فى سبيلِ الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربِّهم يُرزقون». تحيا مصر.