بقلم-نبيل عمرو
يتابع الفلسطينيون أخبار الانتخابات الإسرائيلية باهتمام أكثر بكثير من متابعة أخبار حكومتهم وانتخاباتهم.
معذورون في قلة الاهتمام بحكومتهم، فليس لهم في أمر إقالتها أو تشكيل غيرها أي دور يذكر، فضلاً عن أنهم يعرفون قدرات أي حكومة تتشكل تحت أي اسم في زمن الاحتلال المطبق على صدورهم، والمسيطر على حياتهم بالجملة والتفصيل، كذلك فهم لا يهتمون بانتخاباتهم لأنها غير مؤكدة، إذ لا قانون يحتم إجراءها في وقت محدد، والتجربة قالت إنها تؤجل بلا ضوابط وتلغى تحت ذريعة دائمة وهي عدم نضج الظروف، وسيصدقون أن انتخاباتهم جرت حين تجري بالفعل وقبل ذلك لا لزوم لكثرة الانشغال بها والحديث عنها.
متابعة الفلسطينيين للحملة الانتخابية في إسرائيل، مردها أنهم يرون في مجرياتها ونتائجها ما يمس حياتهم اليومية من كل جوانبها وحقوقهم التي ما تزال كلها في قبضة المحتلين، يضاف إلى ذلك دور الإعلام الإسرائيلي الذي يعتبر أهم مصادر المعلومات عند الفلسطينيين، فهو بكثافته ومهنيته العالية، يمتلك قدرة متفوقة على فرض اهتماماته ومعالجاته على الفلسطينيين والإسرائيليين.
بمراقبة مجريات الحملة الانتخابية المحتدمة في إسرائيل، يشعر الفلسطينيون أنهم واقعون بين شقي الرحى، فالجنرالات الذين يبلورون تحالفاً فيما بينهم ويحققون تقدماً في استطلاعات الرأي، يواصلون وحتى يبالغون في وعد الفلسطينيين بمزيد من الحروب خصوصاً في غزة التي يسوق الدمار الشامل الذي لحق بها على أيدي جنرال الجنرالات «جانتس» كمادة مركزية جاذبة للأصوات.
أما شق الرحى الآخر فهو اليمين المتشدد الذي سيجد طريقاً للاصطفاف وراء نتنياهو وإعادة تتويجه، ورغم فضائح الفساد الضخمة التي التصقت به، فإنه بفعل هذا الاصطفاف ما يزال يحتل الأولوية لاستئناف قيادته للدولة العبرية، فليس لديه من جديد يهدد به غير ما يفعل، يضاعف الاستيطان، ويسرّع ضم القدس ودمج الأحياء العربية بها كعاصمة موحدة لإسرائيل، ويستخدم بفاعلية سياسة العصا والجزرة مع غزة، فهو يسمح بمرور المال القطري المتواضع التأثير لضخامة الكارثة، وفي ذات الوقت يقصف بصورة انتقائية ويحرص على تحقيق الأهداف كما يريد دون التورط في مغامرة اجتياح شامل، أما على صعيد التسوية فقد حدد نتنياهو اتجاه إسرائيل بحيث لا يختلف اليمين واليسار عليه... «أكثر بقليل من حكم ذاتي وأقل بكثير من دولة».
إذن فإن المعادلة التي تحكم الصراع الانتخابي في إسرائيل تشكلت على فكرة أن من يثبت قدرة أكثر على إيذاء الفلسطينيين سيحظى بفرصة الفوز، ولا برنامج سياسياً غير هذه الجملة ما يوجه الوعود الانتخابية.
ويتابع الفلسطينيون بقلق وتوجس الغياب المطلق لمن كانوا يتحدثون عن السلام ممن سموا طويلاً بقوى اليسار، لقد تبدلت الأمور كثيراً منذ كان حزب العمل هو التعبير الجدي عن اليسار، وآخر إنجازاته أنه مرر اتفاق أوسلو بصوت واحد في الكنيست، ومنذ ذلك الوقت واصل التراجع والانهيار حتى صار مهدداً إمّا بعدم تجاوز نسبة الحسم في أسوأ الحالات أو الحصول على خمسة أو ستة مقاعد في أفضل حال.
في أيامنا هذه حيث شقا الرحى يطحنان الواقع والحلم الفلسطيني بلا هوادة، لا يجد المطحونون ما يلوذون به، حتى أبسط مقومات المواجهة الذي تشكله جبهتهم الداخلية التي ما تزال تعيش أسوأ أوضاعها، ومحيطهم العربي ينصرف إلى انشغالاته المتجددة والمتعاظمة، والعالم الذي يعطيهم الأصوات في الأمم المتحدة ممنوع من الاقتراب منهم، والأميركيون المقاولون الأزليون لما يأخذ الفلسطينيون وما لا يأخذون يتأهبون لطرح صفقة لن يقبلها الفلسطينيون بالتأكيد، ولكن لا ضمانات بين أيديهم لئلا تمر ولو الجزء الإسرائيلي منها، ليس كتسوية وإنما كإجراء تصفية.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع