توقيت القاهرة المحلي 03:51:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المؤسسون يتراجعون

  مصر اليوم -

المؤسسون يتراجعون

بقلم - نبيل عمرو

المؤسسون هم حركة «فتح» على الجانب الفلسطيني وحزب العمل على الجانب الإسرائيلي، ولكي نقف على منسوب التراجع، فلا بد من استرجاع صورة الهيمنة شبه المطلقة لفتح على الحياة السياسية في فلسطين ولحزب العمل في إسرائيل.
ولأبدأ بـ«فتح» التي أنتمي إليها، والتي احتفلت بالذكرى الرابعة والخمسين لانطلاقتها التي هي في الوقت ذاته انطلاقة الحركة الوطنية الفلسطينية والثورة المعاصرة.
لقد عايشت كأبناء جيلي العصر الذهبي لـ«فتح» حين كانت حالة عظمى وذات نفوذ فلسطيني لا يقاوم ولا حتى ينافس، وذلك أوجد نفوذاً إقليمياً بلغ من التغلغل والانتشار والفاعلية حد استحالة التجاهل والتجاوز، أما على الصعيد الدولي الأوسع والأبعد، فقد تكرست كأحد المفاتيح الأساسية للشرق الأوسط، ورغم الحذر الذي ميز أساليب التعامل معها أوروبياً وأميركياً، فإن تعامل الأمر الواقع كان فعالاً بل وأقوى في تأثيره من التعامل العلني والرسمي.
كانت «فتح» تشبه الدولة وأحياناً أقوى في الكثير من الساحات وخصوصاً الأردنية واللبنانية، غير أن ما بدا استثنائياً أنها لم تفقد قوتها ونفوذها حتى حين أخرجت من هذه الساحات، وكلمة السر في هذه الحالة الاستثنائية أن حركة «فتح» اعتمدت في استمرار وتنامي نفوذها على ساحة أهم من الجغرافيا والأرض، هي الساحة الشعبية التي وفرت لهذه الحركة رئات تنفس ومصادر حياة واستمرار جعلتها أقوى من كل عوامل الإضعاف والتحجيم، وهنا يصدق القول إنها لم تضعف ولم تتراجع، رغم عدد من الانشقاقات التي كان أهمها وأخطرها انشقاق العام 1983 الذي دعمته دولتان عربيتان بصورة مباشرة، هما الممول السخي لأعوانه ليبيا والساحة الأساسية التي هي سوريا.
غير أن الساحة الشعبية لم تكن لتنجح كبديل عن ساحات الجغرافيا المفقودة لولا وجود قيادة مستنيرة وجديرة أتقنت التعامل مع المحيط وأتقنت كذلك قراءة التحولات الدولية، وبوسعنا التعرف على ذلك من خلال قراءة المبادرات السياسية الجريئة التي أقدمت عليها، وبعضها كان يوصف بالمحرمات، ذلك بعد أن حمت نفسها وتوجهاتها بإطار جبهوي دفع عنها تهمة الاستفراد بالقرار «والتنازل» وكان عنوانه الأقوى والأكثر شرعية المجلس الوطني.
ذلك باختصار شديد كان العصر الذهبي لفتح، ويجدر بنا أن نقيس الفارق بين ذلك العصر وما هي فيه الآن.
ما إن وضع ياسر عرفات يده في يد إسحق رابين حسمت «فتح» أمرها بأن الحل السياسي والمفاوضات المباشرة مع الخصم هو المركز وكل نشاط آخر حتى العسكري محوره هذا الحل.
لم تنتبه «فتح» التي انشغلت في بناء سلطة وكان لا بد من مواجهة إغواء بديهي لامتيازاتها بأن التجربة التي دخلتها محاطة بعوامل فناء أكثر من عوامل البقاء والتقدم.
كانت إسرائيل التي يقودها الثنائي الحمائمي الأشهر إسحق رابين وشيمعون بيريس قد أقرت السلام وفق صيغة أوسلو بأغلبية صوت واحد، بمعنى أنه حين يتوفر صوتان لمنافسي مغامري السلام فلا بد أن ينهار البناء كله، وهذا ما حدث.
كما أن «فتح» لم تنتبه بما يكفي إلى التطورات التي حدثت داخل بيتها الفلسطيني الذي هو ساحتها التاريخية والأساسية، فلم تتحوط من محظور أن المنافس الجديد «الإسلام السياسي» امتلك كل مقومات الفوز عليها، لتجد نفسها أمام تعقيد لم تخرج منه حتى الآن، وهو أن الذين صنعوا مجازفة السلام من كلا الجانبين سقطوا في الانتخابات وأن الذين أشهروا رفضاً مبدئياً لمجازفة السلام هم الذين فازوا.
في إسرائيل يجلس الفائز على رأس طاولة القرار، وفي فلسطين لم تتمكن «حماس» من الحكم بفعل تعود «فتح» على السيطرة المطلقة والحكم الذي لا ينافس، غير أن الأخطر حدث، وهو اقتطاع جزء من السلطة والوطن لمصلحة «حماس»، إذ تحول واقعياً إلى مأزق فتاك، أما الجزء المتبقي فقد وقع بين فكي كماشة، إسرائيل تحت حكم اليمين الشرس تمارس كل الضغط على سلطة «فتح»، و«حماس» المنافس القوي الذي يتسلح بفوزه في انتخابات وصفتها «فتح» بالحرة والنزيهة، لا تترك شاردة ولا واردة إلا وتعمل على إضعاف «فتح» وإظهارها بمظهر العاجز أو المتواطئ.
هذه هي الصورة الآن، ولكي نعي فداحة ما حدث فلا مناص من قياس المسافة بين العصر الذهبي الذي عاشته فتح وبنت فيه نفوذها الواسع والعميق وبين العصر الذي تعيش.
أما المؤسس للتجربة الإسرائيلية، بما في ذلك إقامة الدولة وبناء المؤسسات حتى النووية منها وقيادتها على طريق التكرس و«الانتصارات» فكان حزب العمل، وفي مقالة كهذه حيث لا مجال للإجابة عن لماذا، فإجابة كهذه مجالها الأبحاث والدراسات، يكفي أن نقارن بين عهد ذهبي كان فيه حزب العمل هو العلامة التجارية والاستراتيجية للدولة العبرية، وكان قادته هم من احتكر قيادة الدولة والجيش والمؤسسات وبين حاله الآن، ولن نحتاج أكثر من إيراد رقم تداولته الاستطلاعات عن مآل الحزب التاريخي المؤسس، ففي أفضل ضربات الحظ لن يتجاوز العشرة في المائة من حصته في السلطة، إذن فإن تراجع المؤسسين صار بحاجة إلى إعادة النظر في جزء كبير من المسيرة الطويلة وملامسة الأخطاء والخطايا بقدر كاف من الجرأة والموضوعية، فإن لم يعترف أي طرف بحقيقة تراجعه وظل يكابر ويملأ الفراغ باللغة فلن يتقدم ولو قيد أنملة إلى الأمام.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المؤسسون يتراجعون المؤسسون يتراجعون



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon