توقيت القاهرة المحلي 04:22:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحكومة التاسعة عشرة وتجربة عباس وعرفات

  مصر اليوم -

الحكومة التاسعة عشرة وتجربة عباس وعرفات

بقلم - نبيل عمرو

أعود بالذاكرة إلى الحكومة الأولى التي كُلّف محمود عباس بتشكيلها في عهد الراحل ياسر عرفات، الذي قبِل الفكرة على مضض، وأضمر أن يقوّضها، وهذا ما فعله في مدة زمنية لم تتجاوز 4 أشهر.

وُلدت فكرة الحكومة المستقلة عن عرفات من خلال تقدير ثبت بطلانُه، وهو أن قائدَ الثورة لا يصلح لقيادة تسوية محرجة، وأنَّ الرجلَ الذي يعتمر الكوفية ولا يفارق المسدس خصره، ولم ينزع لباس الحرب ولو ساعة واحدة، لن يكون قادراً على التكيف مع سيناريوهات لتسوية بدت صغيرة عليه وعلى ثقافته وتطلعاته.

وعندما درس عرّابو التسوية حالتَه، وتجذُّر مكانته ونفوذه وفاعليته في الحالة الفلسطينية قرروا فصل مهمات السلطة عن المهمات الأوسع التي تتولاها منظمة التحرير، وبوصفه خطوة أولى جرى تقسيم المسؤوليات بين رئيس المنظمة مع احتفاظه بمسمياته جميعاً وبين رئيس الحكومة الذي سيتولى ووزراؤه المهام الإدارية.

ومنذ الأيام الأولى لبداية التجربة، بدا جلياً أنها لن تنجح، وكان المَخرج منها قد ابتدعه ياسر عرفات، وهو أن تبقى الحكومة ورئيسها إرضاءً للعالم، ولكن تحت سيطرته المطلقة، وهذا ما كان إلى أن توفاه الله.

ومنذ الحكومة التي جاءت بعد استقالة عباس تحول رئيس الوزراء إلى موظف منضبط للرئيس الأعلى، ولقد جرى الاحتفاظ بكل الطقوس التي توصف بالدستورية كي تَدَّثِرَ بها الحكومة، وترتدي من خلالها ثوب الشرعية.

لم يرث عباس عن سلفه عرفات رئاسة السلطة والمنظمة فحسب، بل ورث كذلك صيغة العلاقة بينه بوصفه رئيساً وبين رئيس الوزراء الذي يعيّنه، ويملك تثبيته أو خلعه إذا ما قرر ذلك.

الرئيس عباس لم ولن ينسى مرارة المعاناة التي كابدها حين قرر العالم اقتطاع «ولو عقال بعير من صلاحيات ياسر عرفات وإعطاءه إياه». ومع أنه كان الرجل الثاني في تراتبية المنظمة والثاني في الإطار التاريخي الأقرب إلى القداسة في «فتح»، مضافاً إلى ذلك كله، الدور الأهم في إدارة تجربة أوسلو، فقد عرف عباس أنه لا فاعلية لرئيس إذا ما وُجد رئيس حكومة ذو صلاحيات حقيقية إلى جانبه، فحذا حذو عرفات في التعامل مع رئيس الحكومة الذي مهما بلغ من مهارات وكفاءات يظل رازحاً تحت هاجس الإقالة في أي وقت دون ضوابط دستورية تحميه.

لقد شكَّل عباس حكومات عديدة بمرسوم، وإذا ظهر أن رئيس حكومة تجاوز فإنَّ إقالته لا تكلف أكثر من الحبر الذي تكتب به.

الدكتور محمد مصطفى الذي كُلِّف تشكيلَ حكومة بعد أن ازدادت الأصوات الداعية إلى إصلاح السلطة وأعلاها بالطبع الصوت الأميركي يمتلك مؤهلين رئيسيين، الأول وهو الأهم أنه يحظى بثقة عباس وهي ثقة مجربة حيثما حل الرجل أو ارتحل، والثاني مهني فهو الأكثر تأهيلاً في المجال الاقتصادي إذا ما قيس الأمر برجالات السلطة والمنظمة، غير أن هذين المؤهلين ربما يكونان عبئاً عليه أكثر مما هما ميزة له، إذ ليس بوسعه تقديم نفسه بوصفه زعيماً إصلاحياً، ما دام هو في واقع الأمر امتداداً لرئيسه، فالرجل شغل منصب نائب رئيس الوزراء ومع احتفاظه بالمسمى لفترة، إلا أنه لم يمارسه ولو ساعة واحدة.

الرجل ابتعد كثيراً عن الاستعراض السياسي والإعلامي، على عكس أسلافه الذين تعاملوا مع الإعلام بمواظبة يومية، وأحياناً لأكثر من مرة في اليوم الواحد، رجل كهذا يستحق أن يُشفق عليه؛ إذ كلّف مهمةً سياسية بالغة التعقيد تحت مسمى فني بالغ السطحية، ونُقل من الظل إلى النور المبهر، وكُلّف بأربع مهام الواحدة منها تهد الجبال، وتُفشل أقوى رجالات الدولة ليس في فلسطين التي لا تزال بلا دولة، وإنما على مستوى دول عظمى!

كُلّف الرجل توحيدَ الوطن... غزة والضفة، ذلك بعد 18 عاماً من فشل غيره.

وكُلّف إدارةَ عمليات الإغاثة في غزة، والرجل ممنوع عليه الظهور في المكان.

وكُلّف بقيادة عملية إعادة الإعمار التي لا يُعرف متى تبدأ وكيف سيجري جمع المال اللازم لها، ووفق تقديرات الخبراء سيصل إلى 90 مليار دولار.

وكُلّف كذلك بإصلاح مؤسسات السلطة بعد سنوات طويلة من إهمالها وفقرها وضعف بناها وقدراتها، بفعل تغليب اعتبارات الولاء الفصائلي.

منذ شُكّلت أول حكومة فلسطينية، ويا لها من مصادفة أن يكون رئيسها محمود عباس وإلى الحكومة التي يجري تشكيلها تحت الرقم 19، وفي غياب برلمان يمنح الثقة أو يحجبها ويسائل ويحاسب، فأي حكومة تولد في ظرف كهذا سواء دعمها الأميركيون أو تحفظوا عليها أو دعمها كل المتوغلين في الشأن الفلسطيني والشرق أوسطي أو لم يفعلوا، سيظل القول الفصل في تقويمها للفلسطينيين أولاً، الذين يعيشون حالة كارثية في غزة وحالة مشابهة وإن بصورة مختلفة في الضفة.

هؤلاء الفلسطينيون الذي صبروا على 18 حكومة سبقت، وصبروا على طبقة سياسية تواصل انقسامها وانعزالها وفشلها، هؤلاء الفلسطينيون هم وحدهم من يمنحون الحكومة شهادة نجاح أو فشل، وكل ما نتحدث عنه من محاذير هو مجرد استنتاجات مشتقة من صعوبة الواقع ومن نتائج التجارب السابقة ووقائع الحاضر الصعب.

وإن شئنا أو أبينا فستأخذ الحكومة فرصتها، ولن نحتاج إلى وقت طويل حتى نعرف ما حققت وما أخفقت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحكومة التاسعة عشرة وتجربة عباس وعرفات الحكومة التاسعة عشرة وتجربة عباس وعرفات



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon