بقلم:نبيل عمرو
هذا ليس عنوان فقرة من سيرك، أو وصلة مسرحية يؤديها لاعب يبدع في إبهار المشاهدين من خلال الخداع البصري، إنها لعبة سياسية، تأليفاً وإخراجاً وأداءً، صنعها من يُلقّب في إسرائيل بالساحر، أي بنيامين نتنياهو.
وهذه اللعبة هي أهم مستلزمات بقائه في الحلبة السياسية، رئيساً وصاحب قرار أو معارضاً مؤثراً في ضبط إيقاع خصومه، وجعلهم أسرى للعبته وحساباته.
حين شكّل نتنياهو حكومته السادسة، وحتى حين كان في طور المشاورات وتوزيع الغنائم، هبط عليه مطر من التحذيرات والانتقادات حتى من أقرب حلفاء إسرائيل، وعلى رأسهم العراب الأكبر الولايات المتحدة.
لم تكن التحذيرات من أجل تصويب البناء الحكومي والأداء السياسي، بل كانت لدرء الحرج الذي سيقع فيه الحلفاء حين يضطرون إلى الدفاع عن إسرائيل وعلى رأسها حكومة تضم وزراء يتباهون بعنصريتهم الفاقعة، حكومة يُقسم الفاعلون فيها إلى قسمين؛ الأول ويضم من كان مطلوباً للشرطة ومداناً من قِبل القضاء ومعزولاً دولياً كامتداد للإرهابي مائير كاهانا. والقسم الآخر ومركزه بنيامين نتنياهو، فلا يزال زائراً دائماً للمحكمة، والباقون يتسترون عليه أو يقومون بجهد مباشر لإخراجه من القضايا كالشعرة من العجين.
حيال هذا الوضع صار ضرورياً تقمص دور الحمامة من خلال لغة الاعتدال المفرط في إظهار حرصه على الديمقراطية الإسرائيلية، واستقلال القضاء وجودة الحكم، ولا مانع لديه ولدى شركائه من أن يقول كلاماً يختلف عن كلامهم.
وحين صرّح أحد شركائه بأن على الحكومة أن تعتقل رؤساء المعارضة بتهمة التحريض ومعاداة الدولة، سارع إلى الدفاع عن معارضيه بالقول إن إسرائيل دولة ديمقراطية ولا يمكن أن تعتقل معارضيها.
وأقوال كثيرة من هذا القبيل صمت عليها شركاؤه ورحب بها من يسمون «المؤلفة قلوبهم» الذين ينتظرون إلى جوار الهاتف لعل الساحر يجد لهم دوراً ووظيفة.
في الشأن الداخلي الإسرائيلي يؤدي نتنياهو دور الرجل المركزي الذي يجيد لعبة «ديكتاتورية الأغلبية» ولسان حاله يقول: هذه حكومتي المنتخبة من قِبل الجمهور وأبوابها مفتوحة لمن يرغب في الالتحاق بها تحت مسمى حكومة وحدة وطنية تحت رئاستي.
أما في تقمصه شكل الحمامة على الصعيد الخارجي، فإن أهم المهم بالنسبة لإسرائيل هي أميركا، وقد أجاد نتنياهو لعبة التشدد معها حتى التعالي عليها «أثناء حكومة أوباما - بايدن» كما أجاد لعبة المرونة حين يتطلب الأمر ذلك، وآخر ما حرر في هذا الصدد أنه طمأن الأميركيين بأنه صاحب القرار السياسي الأول والأخير، مع إشارات عن استعداده لمزيد من المرونة السياسية حتى مع الفلسطينيين، وقد رد عليه الأميركيون بأن لا اعتراض لهم على تركيبة حكومته المنتخبة لأنهم سوف يقيمون كل الصلات معه، وهو لا يريد من أميركا أكثر من ذلك.
نتنياهو هو رجل الهوامش ضيقة كانت أم واسعة، ورجل اللغة والحجج القوية في مواجهة الخصوم، ولقد استفاد من وصف حكومته من قِبل المعارضة بأنها «الرايخ الثالث»، وهذه جملة يكرهها اليهود لما تنطوي عليه من مبالغة في الوصف وإثارة الشجون، لكن مواهب نتنياهو اللغوية والمنطقية تهيئ له فوائد جمة من اتهام كهذا.
خلاصة الحكاية، أن تقمّص شكل الحمامة يجد من يستجيب له ويعجب به وخصوصاً على الصعيد الخارجي، أما شركاؤه من الصقور فهو وحده من يطلقهم من الأقفاص ويعيدهم إليها، وهو وحده كذلك من يمتلك قدرة على أداء لعبة الحمامة التي تقود صقوراً، وما دام نتنياهو يمتلك الليكود كعضلة أساسية ويمتلك معارضة منقسمة وانفعالية فليبشر لبيد وغانتس بطول حكومة يا بيبي.