توقيت القاهرة المحلي 10:49:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما الذي فعله الشاب محمد صوف؟

  مصر اليوم -

ما الذي فعله الشاب محمد صوف

بقلم:نبيل عمرو

بينما كان الكنيست يحتفل بدورته الخامسة والعشرين، ونتنياهو منشغلاً بتوزيع الغنائم على أقطاب ائتلافه الذي سيشكل به حكومته السادسة...
وبينما كان الأعضاء يؤدون قسم الولاء للدولة ويلتقطون الصور التذكارية لتخليد العرس!...
اقتحم محمد صوف المشهد عن بُعد، فحوّل الاحتفال إلى مأتم وذكّر المحتفلين السابقين واللاحقين بما لا يحبون تذكره، وهو أن في فلسطين ما يدعو لقلق عميق.
الشاب الوسيم محمد صوف ابن الثماني عشرة سنة ينتمي إلى جيل سمع بأوسلو كحدث قديم ينتسب إلى ماضٍ سحيق، ولكنه منذ وعيه المبكر على الحياة لم يرَ غير مستوطنة أرييل المقامة على أرض قريته، ودوريات الجيش والمستعربين وحرس الحدود والمستوطنين المسلحين، الذين يواصلون حربهم الشرسة التي تتصاعد حدتها ويتضاعف ضحاياها في الموسم الأخير في فلسطين، موسم قطاف الزيتون...
ثم إن الشاب محمد صوف الذي يحمل في جيبه هويته الفلسطينية الخضراء، كان يدرك أنه سيحصل على رقم مائة وأربعة وتسعين، أي آخر رقم لشهداء هذا العام... ولست متأكداً من لا يزيد هذا الرقم حتى قبل نشر هذه المقالة.
وفي الزمن الذي تكتظ فيه الصعوبات ويطول عمر الاحتلال والاستبداد ويتواصل نزف الدم، يجد أبناء الثماني عشرة سنة وحتى من هم أصغر سناً منهم، أنفسهم وقد صنعت منهم الحالة أرباب أسر وحراس وطن، وهذا ما حدث مع محمد صوف، الذي فقد والده قبل ثلاث سنوات ليتحمل مسؤولية تأمين العيش لوالدته وستة من الإخوة والأخوات، ذلك بعد أن تخلى عن مقعد الدراسة، وتخلى كذلك عن آمال الطفولة بأن يكون طبيباً أو مهندساً أو محامياً.
لحظة استشهاده بعد أن أدار معركة دامت زهاء عشرين دقيقة قبالة جيش مدجج بالسلاح، وبعد أن تمكن من قتل ثلاثة وإصابة آخرين، كانت قرية بيت عوا الجنوبية تشيع الصبية «فلّة» ابنة الست عشرة سنة التي سقطت برصاص جنود الاحتلال في عملية إعدام صريحة ومباشرة، إذ كانت فلّة -ويا له من اسم جميل- تعالج من مرض التوحد وتحلم بمواصلة الحياة سليمة معافاة.
نحن في زمن يخرج فيه الأطفال من بيوتهم ولا يعودون إليها ليتحولوا إلى رقم له ما قبله وما بعده، هو ذات الزمن الذي يستبدل فيه الشبان بمسار حياتهم مسار موتهم، وسيظل الأمر هكذا ما دامت مخازن الذخيرة جاهزة على الدوام للامتلاء بالرصاص، وما دامت أجساد الفلسطينيين جاهزة لتلقيها.
القتل والجنازات في زمن الاحتلال صارا جزءاً من يوميات الفلسطينيين، ولقد سئمت مؤسسات الحق في الحياة التي يرمز لها بـ«حقوق الإنسان» من إحصاء الضحايا وتصنيفهم بين ذكور وإناث، وتصنيف أعمارهم بين أطفال وشباب وكهول، والتوسط لدى الاحتلال للإفراج عن جثامينهم والسماح لذويهم أو لعدد محدود منهم بتشييعهم بعد أن يُخرجوا من الثلاجات وأحياناً من مقابر الأرقام.
ومثلما فرض الاحتلال على الفلسطينيين واقعاً مأساوياً كهذا فقد فرض على نفسه تعايشاً صعباً مع عناد الفلسطينيين ومقاومتهم، إذ لم ييأس بعد من تكرار إجراءاته النمطية في محاربة المقاومين وذويهم، فغير القتل هنالك أخذ مقاسات البيوت لنسفها على الفور واعتقال الأقارب للعثور على خيط يدل على من يقف وراء من يسميهم الذئاب المنفلتة... ذلك ما حدث منذ اليوم الأول للاحتلال، ولن يتوقف إلا في اليوم الأخير الذي لم يأت بعد.
المحللون الإسرائيليون وخبراء الأبحاث والدراسات، وكلما قتل إسرائيلي وجرّدوا حملة للانتقام له، لا يكفون عن التساؤل: تُرى هل نحن في الطريق إلى انتفاضة جديدة؟ سؤال أجابت عنه الأقلية العاقلة بعض الشيء: «سيظل الأمر هكذا ما دامت إسرائيل تحكم شعباً آخر».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما الذي فعله الشاب محمد صوف ما الذي فعله الشاب محمد صوف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لجعل المطبخ عمليًّا وأنيقًا دون إنفاق الكثير من المال

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 19:37 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مصر تُخطط لسداد جزء من مستحقات الطاقة المتجددة بالدولار
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon