بقلم - نبيل عمرو
إسرائيل دولة فصل عنصري، هذا هو التوصيف الذي خلص إليه تقرير «أمنستي»، الذي بُني على وقائع دامغة، لا تملك حكومة إسرائيل أي حجة منطقية لنفيها أو أي تفسيرات مقنعة لدوافعها.
وما تفعله إسرائيل في الضفة والقطاع والقدس، وحتى داخل دولتها التي تضم مليوني عربي، يُعفي المؤسسات الدولية «غير المروَّضة» من بذل جهود كبيرة لإثبات عنصرية الدولة والنظام، فلا مساواة داخل إسرائيل، وهذا ما تقر به الدولة، ولا حقوق للملايين الذين تحتلهم بقوة السلاح وتعدّهم مجرد سكان أمر واقع يكفيهم الوقوف الأبدي على الحافة بين الحياة والموت، وهذا أيضاً ما تعمل إسرائيل على جعله أبدياً.
اللافت للنظر أمران يتوازيان في الخطورة؛ الأول رد الفعل الإسرائيلي الذي لا يتغير كلما أشارت هيئة دولية مستقلة إلى انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان الفلسطيني، والتي لم تعد مجرد مخالفات بقدر ما أضحت سياسة معتمدة ودائمة للدولة العبرية ونظامها السياسي.
عنوان ومضمون رد الفعل الإسرائيلي التلقائي هو أن أي مؤسسة دولية تنتقد إسرائيل مهما فعلت، فهي معادية ولا سامية، متجاهلةً أن في إسرائيل ذاتها مؤسسات وكتّاباً وصناع رأي وحتى أحزاباً يجاهرون بأكثر ممّا قالته «أمنستي»، وهذا يعرّي أكذوبة الاتهام النمطي الجاهز باللاسامية، وانظروا إلى تقارير «بيتسليم» الإسرائيلية ومقالات جدعون ليفي وغيره ممن لا تجرؤ إسرائيل الرسمية على وصفهم باللاسامية.
والأمر الآخر اللافت حقاً هو رد الفعل الأميركي الذي كان أقوى في مجال الدفاع عن إسرائيل حتى من الموقف الإسرائيلي ذاته، وإذا كان الأميركيون، أو لِنَقُل تجاوزاً الرسميين منهم، يسددون فواتير لحليفهم المدلل والمسموح له بأن يكون استثناء عن كل الدول بالخروج المباشر والفظّ عن أبسط القواعد الأخلاقية والقانونية الدولية، فإنهم يقرّون بجرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين ولكنهم يعترضون على وصفها، وفي الوقت الذي نُشر فيه تقرير «أمنستي» نشرت الخارجية الأميركية ما قاله الوزير بلينكن للرئيس الفلسطيني من أن الإدارة ترفض ما تفعله إسرائيل بحق الفلسطينيين، وأشارت تحديداً إلى الاستيطان واجتياحات المناطق الفلسطينية والقتل، وهدم البيوت والتعدي على الممتلكات وغيرها الكثير الكثير، وحكاية الفلسطيني الأميركي المسنّ عمر أسعد لا تزال طازجة وقيد التداول حتى في أميركا ذاتها.
أوصت «أمنستي» العالم بأن يفعل شيئاً لوقف الانتهاكات الإسرائيلية المتمادية لأبسط الحقوق الفلسطينية، وأوصت إسرائيل بالتخلي عن سياساتها العنصرية داخلها، أي تجاه من يحملون جنسيتها وتجاه من تحتلّ من أرض وشعب يعرفها العالم بالأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
إنه رجاء ضميري أخلاقي وقانوني وإنساني قد يُسمع في أي مكان إلا لدى سدنة النظام الإسرائيلي ومن يغذّون سياساتهم العنصرية من حلفائه الدائمين من دون إنكار أن في إسرائيل وأميركا من يندد ويعترض.
إن تقارير «أمنستي» تجسّد الصراع الأزليّ بين الضمير الإنساني الذي يرفض الظلم والاستبداد وإهدار الحقوق، وبين القوى النافذة التي تعد الضمير الإنساني مجرد بدعة ساذجة لا مكان لها في عالم القوة خصوصاً الغاشمة منها، ولعل هذه هي كلمة السر في كل المصائب التي عانتها البشرية ولا تزال.