بقلم:نبيل عمرو
الإدارة الأميركية، راغبة فعلاً في التهدئة على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية المشتعلة، والتي يتوقع، أو هكذا يقال، لها مزيد من الاشتعال في شهر رمضان، الذي يُقدم في الإعلام الأميركي والإسرائيلي على أنه شهر جهادي تتضاعف فيه دوافع القتال، خصوصاً في القدس.
الإدارة الأميركية كذلك تكثف جهودها سعياً منها لأن يمر الشهر «الخطر» بهدوء، أو بأقل قدر من التصعيد.
الجهد الأميركي الذي أتى بأقطاب الإدارة إلى القدس ورام الله، وأنجز تفاهمات على التهدئة، جرت الإطاحة بها قبل أن ترى النور، يتواصل على كل المستويات دون يقين بالنجاح، وذلك لسببين أساسيين... الأول... عزل الجانب الأمني عن السياسي، وهذا وفق التجربة يبدو كمسكن موضعي للألم، ما يلبث أن يزول مفعوله ليدخل التصعيد حالة أشد وأكثر اتساعاً.
الثاني... الذهاب إلى العناوين الخطأ؛ أي الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، فلا الأول، حتى لو رغب رئيسها لأسباب خاصة به بتهدئة ولو مؤقتة، فإن التركيبة بإجمالها لا تريد ذلك، وللمتطرفين فيها سطوة يخشاها نتنياهو، إذ بيدهم نسف حكومته، وإرجاعه ثانية إلى المعارضة بما ينسف أجندته، وربما مستقبله السياسي.
ولا الثانية؛ أي السلطة، تمتلك النفوذ، ولا حتى الحد الأدنى من القدرة على فرض تهدئة مؤقتة أو دائمة، ليس فقط على منطقة الاشتعال الأولى نابلس وجنين، وإنما على كل منطقة واقعة تحت سلطتها في عموم الضفة، إضافة إلى انعدام نفوذها بصورة مطلقة على غزة، التي يؤدي حكم الأمر الواقع فيها سياسة مستقلة في التهدئة والتصعيد وفق أجنداته الخاصة.
وحين يكون المضمون خاطئاً والعناوين خاطئة كذلك، فمن غير المنطقي توقع نجاحات جدية مفيدة أو طويلة الأمد للتهدئة.
الإدارة الأميركية التي تمتلك مخزون معلومات هو الأهم على مستوى العالم لا بد أنها تدرك ذلك، وتدرك أن طرفين يجسدان القوة الأكثر فاعلية على الأرض، وبيدهما صاعق التفجير، وهما من تسميهم إسرائيل «بالذئاب المنفلتة»، الخارجة تماماً عن المرجعيات التقليدية التي كان يجري الحديث معها في زمن مضى، وهي السلطة أيام عرفات، والفصائل أيام تصدرها مشهد الانتفاضة المسلحة، وهذه «الذئاب»، تجسد معضلة لكل من يعمل من أجل التهدئة، فجسمها الرئيسي إذا كان في شمال فلسطين فمحاكاة فعلها يأتي من كل مكان؛ إذ يكفي أن يجد طفل فلسطيني مسدساً حتى يطلق النار ليعيد الأمور إلى الاشتعال من جديد... وهكذا.
ويا ليت عقم المعالجة تتوقف أسبابه عند خطأ العناوين، وغياب الأفق السياسي، بل هنالك خطأ فادح في فرضيات التصعيد التي يبني عليها راغبو التهدئة تحليلاتهم وحتى جهودهم، فهم يعتمدون فكرة المناسبات، وكأن أطول وأشرس احتلال عرفته البشرية يعمل على روزنامة المناسبات، وكأن أطول وأعند مقاومة له تعمل على الروزنامة نفسها، وهنا يدخل رمضان إلى المشهد، كأن فعل المقاومة لا يتم إلا في هذه الثلاثين يوماً من السنة، وهذا ما يخالفه الواقع تماماً، فما دام الاحتلال قائماً والقمع متواصلاً والذئاب المنفلتة تتوالد فالمقاومة مستمرة، وحتى تزامن أي عمل من أعمالها مع مناسبة ما، لا يعني أنه لا أعمال من دون مناسبات.
الخوف الأميركي من رمضان هو امتداد للخوف الدائم من الاشتعال، الذي لا تريده أميركا، غير أن الخوف الذي لا يكف الإسرائيليون عن ترويجه ينبغي أن ينظر إليه على أنه ينطوي على ترتيب مسبق لتصعيد تقوم به إسرائيل، خصوصاً في شهر رمضان، وإحدى الإشارات الصريحة الدالة على هذا اعتزام وزير الأمن القومي بن غفير مواصلة صب الزيت على النار، حين أعلن عن أنه سيقوم بنسف البيوت في القدس، حتى في شهر رمضان، ما يستدعي رد فعل فلسطينياً بديهياً ومحقاً، وما يستدعي بالمقابل إجراءات إسرائيلية شديدة القسوة، وحتى لو تدخل الكون كله لمنع نسف البيوت الفلسطينية، فقد تستجيب الحكومة الإسرائيلية ليس بإلغاء النسف وإنما بتأجيله، ما يجعل التحفز الفلسطيني قائماً، فالتأجيل يعني التنفيذ الأكيد، ولكن في ظرف أكثر ملاءمة للحكومة الإسرائيلية.
المتدخلون من أجل التهدئة، ومنهم المخلصون من الأشقاء، يواصلون السعي لربط التهدئة بالأفق السياسي الجدي، أما الأميركيون فيعرفون أكثر من غيرهم أن غياب الأفق السياسي يعني غياب التهدئة، وبقي أن نقول لهم اطرقوا الباب الصحيح، فالمسكنات لا تلغي الألم، والباب الصحيح هو الوحيد أي السياسي الذي تتجنبونه.
ملاحظة: ما إن فرغت من كتابة هذه المقالة حتى وردت أنباء عن مقتلة جديدة وقعت في نابلس ومخيم جنين، ونحن لم نصل بعد إلى شهر رمضان!!