بقلم - نبيل عمرو
تعاني الطبقة السياسية الفلسطينية من ازدواجية غريبة، لا يمكن أن تجد مثلها إلا عند الفلسطينيين.
فصائل سياسية تملك حق الفيتو على أي فكرة جديدة، ولكنها في واقع الأمر لا تملك الرصيد الشعبي الذي يؤهلها لذلك، فإذا ما قرر الفلسطينيون عقد برلمانهم الأعلى ووافق ثلاثة أرباع الأعضاء على الحضور تشهر الفصائل في وجه هؤلاء حكاية النصاب السياسي الأقوى من القانوني، ويُعطل المجلس الذي هو الرصيد الاستراتيجي للشعب الفلسطيني كونه مؤسسة برلمانية يجمع العالم كله على الاعتراف بها، بما في ذلك أميركا وإسرائيل.
وإذا ما دعت الحاجة إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، ترفع الفصائل إشارة الفيتو وتروّج لمقولة غريبة «ما جدوى الانتخابات أمام حتمية التوافق».
ومع أن الفصائل اختبرت في الانتخابات العامة مرتين وعبرت نسبة الحسم بصعوبة بالغة وعلى الحافة، إلا أنها ظلت مالكة لحق الفيتو ولم تعدم يوماً مبرراً للهروب من الانتخابات، وقد يتساءل مراقب عن حالة فتح وحماس، اللتين تقاسمتا مقاعد المجلس التشريعي في الانتخابات العامة فالواقع يجيب... فتح وحماس ليستا مجرد فصيلين في الساحة الفلسطينية بل هما تياران يمثل كل طرف منهما قطاعاً واسعاً من الجمهور، أي التيار الوطني العلماني وتيار الإسلام السياسي.
هذه المعضلة نشأت في غمرة التحضير لعقد المجلس الوطني الذي تأخر سنوات طويلة وأدى عدم انعقاده إلى تآكل منظمة التحرير ووقوفها على حافة الانهيارـ ومع أن قرار انعقاد المجلس اتخذ في اللجنة التنفيذية المفترض أنها تمثل جميع القوى الفلسطينية باستثناء تلك العازلة نفسها في دمشق، إلا أن حكاية الفيتو الفصائلي ظهرت من جديد، فإما أن تعطل المجلس وإما أن يعقد ولكن تحت تشكيك صاخب في سلامة شرعيته.
الرئيس محمود عباس ومعه فتح وحلفاؤها الذين يشكلون أكثر من ثلثي أعضاء المجلس، يحتاجون بشدة إلى انعقاده لتجديد شرعية مؤسسات المنظمة وعلى رأسها اللجنة التنفيذية المهددة بخسارة النصاب بحكم كبر سن معظم الأعضاء، وكادت اللجنة التنفيذية قبل عشر سنوات تخسر شرعيتها بفعل الوفاة حين لم يبقَ على قيد الحياة من أعضائها سوى ما يجعلها أسيرة لصوت واحد، كما يحتاج عباس وحلفاؤه في منظمة التحرير إلى مظاهرة سياسية تدعم مبادرته التي أطلقها في مجلس الأمن والمشتقة أساساً من قرارات المجلس الوطني والمبادرة العربية للسلام، ويحتاج كذلك وهو في غمرة خلاف معقد وصريح مع الأميركيين وفي ظله خلاف مستتر مع أطراف عربية... يحتاج إلى إثبات أن غالبية الشعب الفلسطيني معه وليس سوى المجلس الوطني من يثبت ذلك للفلسطينيين والعرب والعالم.
أمّا الذين يعارضون عقد المجلس فينقسمون إلى قسمين؛ الأول يجسده الإسلام السياسي الذي لا تهمه المنظمة لا من قريب ولا من بعيد، بل يراها مجرد حصن لـ«فتح» تتمترس فيه وتفعل نفوذها من خلاله، والقسم الثاني وعنوانه الآن الجبهتان الديمقراطية والشعبية، فهو حتى الآن يقف في منطقة رمادية تحتمل التساؤل، هل سيحضرون أم يقاطعون؟
وحول موقف الجبهتين استنتاج تلقائي مفاده أنهم دائماً يتخذون موقفاً كهذا من أجل تحسين الشروط وزيادة الحصة.
في فرز كهذا تُخرج فصائل دمشق نفسها من المعمعة بالرفض المطلق ورفع شعار مجلس توحيدي يضم «حماس» و«الجهاد» وباقي الفصائل دون استثناء.
ما يصدر عن الرئيس محمود عباس والداعمين لقراره بعقد المجلس يشير إلى أن القرار نهائي، وأن الانعقاد سيتم على أرض الوطن، ويستعين عباس بوقائع جرت فيها فعاليات وطنية مهمة وشارك فيها الجميع، ومن أجل الالتفاف على فكرة أن هنالك من قد يُمنع من الحضور إلى رام الله، يلوذ الرئيس عباس بمخرج تمت تجربته في الماضي وهو إشراك الجميع عبر الفيديو كونفرنس، وبذلك لن يُحرم أحد من المشاركة إذا ما كان الانعقاد على أرض الوطن هو أحد أسباب المقاطعة.
رئاسة المجلس الوطني تواصل ترتيباتها كما لو أن الانعقاد سيتم في موعده أي في الثلاثين من الشهر الحالي، والفصائل الموافقة والمعارضة تدير جدلاً صاخباً، وكل يسعى إلى جذب الآخر إلى جانبه، وأحاديث هامسة عن تدخلات عربية كي لا يصل الشلل إلى آخر ما بقي لدى الفلسطينيين وهو منظمة التحرير.
الأسابيع القليلة التي تفصلنا عن موعد انعقاد المجلس ستظهر ما إذا كانت قوى الإعاقة لا تزال صاحبة الكلمة العليا أم أن تجربة مجلس عمان الذي انعقد بعد الخروج من لبنان ستفرض نفسها أخيراً رغم مقاطعة عدد مهم من فصائل المنظمة، ذلك قبل أن تدخل «حماس» و«الجهاد» على الخط.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع