توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مقتلة صورة النصر

  مصر اليوم -

مقتلة صورة النصر

بقلم: نبيل عمرو

كثيرة هي الحروب التي شهدتها ساحة الشرق الأوسط، وإذا ما قوّمناها بمقياس المنتصر والمهزوم، فلن نصل إلى نتيجة، ما دامت مفردة النصر محل نزاع وادعاء من جانب الرابحين والخاسرين على حد سواء.

إن لكل طرف من أطراف الحروب في بلادنا أدبياته في وصف الخلاصات، فهو انتصر بفعل بقائه على قيد الحياة، أو تمكنه من رفع شارة النصر ولو من فوق الركام أو في ظل دبابة الخصم، وذلك أشبه بصدر بيت الشعر... أما عجزه فهو الوعد بانتصار ولو بعد حين!

الحرب الجارية الآن في منطقتنا أنتجت مقاييس خاصة للنصر والهزيمة، فإسرائيل مثلاً ترى أنها حققت العديد من الانتصارات التي ستقود إلى الانتصار المطلق، وشيء كهذا حدث مرات عدة في السابق، منذ حرب 48 إلى 67 إلى أكتوبر (تشرين الأول) 73، وإلى الحروب الفلسطينية - الإسرائيلية - اللبنانية، التي نحن الآن في واحدة منها.

أمّا الطرف المقابل لإسرائيل في الحرب، ودعنا نحصر الحديث في المقاتلين منهم بالسلاح، فأدبياتهم تعلن نصراً مبيناً هانت من أجله كل التضحيات، ودليلهم على ذلك، إعادة القضية الفلسطينية إلى التداول وعدم تمكين العدو من تحقيق أهدافه التي أعلنها حين بدأ حربه الانتقامية في الثامن من أكتوبر 2023، مع إلقاء ظلالٍ كثيفة على ما لم يتحقق من أهداف أعلنت جرّاء زلزال السابع من أكتوبر، كالوصول إلى القدس وتحرير الأقصى وتبييض السجون الإسرائيلية من المعتقلين الفلسطينيين، وأهداف استراتيجية عظمى، إن لم تتحقق خلال سنة من الحرب، فربما تتحقق في قادم السنوات.

هنالك ما هو أكثر أهمية بالنسبة للمتحاربين من النصر المطلق أو النسبي، التكتيكي أو الاستراتيجي، هو الصورة التي يتمكن بها الرابح والخاسر من تسويق صدقية ما فعلا، وما أحرز من نتائج.

وهذا ما اصطلح على تسميته بصورة النصر وإذا ما دققنا في مجريات الحرب على غزة ولبنان، فسوف نجد أن الجزء الأكبر من الخسائر حدث بفعل الحاجة الملحة إلى الصورة.

منطقياً وبالمقاييس الواقعية... كان يمكن للحرب على غزة أن تتوقف أو أن تعود إلى مساراتها القديمة التي كانت قبل السابع من أكتوبر، أي أن تتوقف عملياتها بعد شهر أو شهرين من الانتقام الشرس الذي حدث ولا يزال، أو أن يصغي الإسرائيليون إلى نصائح وزير الدفاع الأميركي الذي حذَّرهم من مضار الكسب التكتيكي على المصالح الاستراتيجية، إلا أن صورة النصر الضرورية للقيادات التي لم يكتمل تظهيرها حتى الآن، جعلت الحرب تطول والخسائر تتضاعف، أمّا حكاية النصر المطلق فلن يتحقق وفق أجندة نتنياهو، بل بدا خيالياً ومدعاة للتشكيك المتزايد داخل إسرائيل، وفي معسكر حلفائها وداعميها؛ ذلك أن النصر لا يقاس بالقدرة على القتل والتدمير، بل بتحقيق النتائج السياسية النهائية للحرب.

بصورة موضوعية وليس رغائبية، فما أن تتوقف الحرب العسكرية ومهما كانت نتائجها الميدانية، سيكتشف الباحثون عن صورة نصر أنهم لن يجدوها، فلا إسرائيل تستطيع الزعم بأنها تخلصت من خصومها، بل ستجد نفسها في مواجهة مع قضية كبرى هي مجمع قضايا مرهقة لها من داخلها ومن حولها، وهذه خلاصة متكررة لما وُصف «بانتصاراتها السابقة».

الأذى الفادح الذي تحمله معارك صورة النصر، أنها تذهب من جانب طرفيها المتحاربين بالسلاح، إلى الحدود القصوى في استخدام القوة المتاحة، وهذا ما حدث ولا يزال في غزة، وما حدث بالأمس القريب في بيروت، بين يدي الإعداد للحل السياسي؛ ذلك أن كل ما حدث على الأرض في غزة ولبنان، يظل بلا خلاصة كافية تمكّن أي طرف من رسم صورة نصر مقنع، وهذا سبب كافٍ لتفسير شراسة القتال المتبادل بين الباحثين عن الصورة.

سوف تتوقف الحرب يوماً ما وحين يبدأ العمل على توظيف نتائجها سياسياً، سيكتشف الجميع أن ما حدث كان جولة وصفها فريد الأطرش مثلما وصف حرب 67 «إن للباطل جولة» ولن تكون الخلاصات أكثر من أنها هدوء ما بين جولتين ما دام الذهاب إلى جذر الصراع لم يعمل به بعد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقتلة صورة النصر مقتلة صورة النصر



GMT 18:32 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

فنّانو سوريا

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 18:30 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

2024: البندول يتأرجح باتجاه جديد

GMT 18:29 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 18:27 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

رائحة في دمشق

GMT 18:26 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«هشام وعز والعريان وليلى ونور وكزبرة ومنى ومنة وأسماء»

GMT 16:40 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

الوطن هو المواطن

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 06:08 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عطور نسائية تحتوي على العود

GMT 08:19 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 19:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الطرق الصحيحة لتنظيف الأثاث الجلد

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon